حينما يصبح تدمير مطار أو ميناء أو تعطيل محطة كهرباء أو استشهاد مواطنين أبرياء من قبل عدو لئيم فاشي، وموت أطفال جوعًا، أهم من السيادة والعزة والأنفة، وأهم من الله وأوامره ونواهيه، وأهم من الوطن والأرض والعرض والراية والآية، فاقرأ على الدنيا السلام.
نسمع بعض جوقات من مسؤولين عربًا، مسؤولين صغارًا يظنون أنهم كبار، وغالبًا سابقين يظنون أنفسهم أنهم على رأس عملهم، أو يحلمون بذلك، يتنمرون على السادة الذين يذودون عن شرف الأمة، ويتظاهرون بالحكمة والعقل والفهم والثقافة والفكر وهم خارج كل تلك الأطر تمامًا. إنهم فاسدون متسلقون، بل متشعبطون، رويبضة قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مجاميع من الخوارج، يقفزون من "سنسلة إلى سنسلة" ويتصيدون في أي ماء عكرًا كان أم صافيًا. يصلون الفجر مع علي ويتعشون في المساء مع معاوية، يبكون عند علي ورعًا ويضحكون عند معاوية استهزاءً. في مواكب البكمات والمظاهرات هم الأعلى صوتًا والأكثر شتمًا، وفي الشعارات هم من يريدون إسقاط الأنظمة. وعندما يرون أن كل ذلك لا يقربهم من هدفهم المنشود، يقفزون من البكمات ويفرون من الاعتصامات ويتنصلون من كل ما تصنعوا به وذهبوا إلى عرض زائل من الدنيا، ليس قناعة بل بيعًا وشراء.
أولئك منهم محللون وفقهاء وشيوخ ومحامون وإعلاميون كلهم يؤمنون بأهداف حزب الدعسة السريعة، وبمبادئ التشفيط والتشحيط. فالمدافعون عن شرف الأمة مغامرون، مقامرون، ساذجون، والمسلمون الملتحون خونة وأعوان الشيطان، وكل من يخالفهم الرأي صاحب أجندة يتبع الهلال الشيعي أو المجوسي، ويصبح القادة الشهداء عندهم عملاء لإسرائيل، وأبو العبد وأولاده يعيشون في كاليفورنيا، وأبو الوليد عنده سبعة مليارات، ويصبح اليمنيون الحوثيون مجانين، ويصبح حزب الله حزب اللات، ويصبح من يضرب حجرًا على إسرائيل متهورًا زنديقًا خارجًا عن الملة، ويصبح أعضاء مؤتمر القمة هم المبايعون تحت الشجرة، والخاصة منهم المبشرون بالجنة، وتصبح الشعوب "من أنتم" أو "الآن فهمتكم" أو الدهماء، ويصبح المنافقون هم الخاصة وأفهم الناس. وحينما نجلس معهم لنتعلم ونستفيد، نجدهم كأجداث نخل خاوية.
انقلبت الدنيا عاليها سافلها واستبدلت غزلانها بقرودها، وصار المتفيهقون هم العلماء والأدباء والمحللون، وصارت الشاشات مكتظة بالغثاء والزبد، وبمنظري سيداو وحرية الجندر وما أدراك ما الجندر، والكل أحرار إلا الذين يريدون أن يدافعوا عن شرف الأمة. فؤلئك يعطون الذرائع لإسرائيل لقتل المدنيين وكأن الله خلق المدنيين ليعيشوا كالبهائم في خانات مغلقة يأكلون ويشربون ويتكاثرون ويخدمون سيدهم العدو. أما استشهادهم فلعنة، وقتالهم لاسترجاع أوطانهم وحرياتهم مغامرة، وعدم طاعتهم للعدو وعملائه أصحاب اليخوت والتخوت خروج عن الملة. صارت الدعارة حرية، والجهاد مكرهة، والإذعان لليهود حكمة وعقلانية، والمواطن العربي الصالح هو المواطن الذي يتشارك مع الأنعام حياتها كما في النص القرآني "هم كالأنعام بل أضل سبيلًا".
يا الله ما أصغر الصغار في أحلامهم، باشوات ومعالي وأصحاب دولة وسعادة وعطوفة وألقاب! بنشوف القبة بنفكر تحتها مزار، وإذا بهم كل طموحاتهم أن يكونوا على كرسي وراء طاولة وختم أمامهم، وأناس يستجدونهم، وشعورهم بأنهم على شيء وهم ليسوا على شيء، ولو سلبهم الذباب شيئًا لا يقدرون على استرجاعه ضعف الطالب والمطلوب.
أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو، ثنا سعيد بن مسعود، أنبأ يزيد بن هارون، أنبأ عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن إسحاق بن بكر بن الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: "تأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيهم الرويبضة". قيل: يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".
رويبضة يسلقون المجاهدين بألسنة غلاظ حداد، يتفيهقون حتى تكاد أصواتهم أن تصل إلى أنكر الأصوات، ويقتلون كل يوم أحلام الشرفاء من أبناء الأمة...
اللهم هيئ لهذه الأمة من تحب لما تحب.
ودبر لنا فإننا لا نحسن التدبير.