هذه نصيحة موجهة للملك مباشرة ولجهاز المخابرات التي أصبح ضباطه "يداومون" في أبوظبي أكثر من دوامهم في الجندويل، ويريدون أن ينقلوا وصفة القمع الاماراتية الى الأردن، وهم يفعلون ذلك انطلاقاً من جهلهم بطبيعة شعبنا الأردني الطيب.
أصبح واضحاً أن دائرة المخابرات غيرت سياستها الأمنية منذ بداية العام الحالي، وأصبحت تتبنى سياسة قمعية عنيفة ضد الأردنيين، حيث تعتقل من تشاء بغير حساب ولمدد مفتوحة، كما إنها تقمع أصحاب الرأي وكتاب المقالات والمتظاهرين والنشطاء وجامعي التبرعات لصالح غزة والمتضامنين مع فلسطين أو رافعي أعلامها، ويتجه الأردن سريعاً لأن يتحول الى دولة بوليسية قمعية أشبه بالامارات والسعودية التي لا يجرؤ أي مواطن فيهما على الحديث بكلمة ولو خلال قضاء الحاجة في بيت الخلاء!!
هذه الحملة الأمنية والقمعية التي بدأت مع بدايات العام الحالي 2025 تُفسر أيضاً سبب الاطاحة المفاجئة بعدد كبير من ضباط الصف الأول بالمخابرات في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر من العام الماضي، عندما أحيلوا على التقاعد بشكل مفاجئ، ومن بينهم مساعد المدير العام للدائرة محمد البطوش (الشهير باسم أبو نادر)، وهو الضابط المسؤول عن ملف الاسلاميين، بمن فيهم الاخوان المسلمون وحركة حماس. حيث كان الملك ومدير المخابرات قد قررا تغيير النهج الأمني والتحول الى القمع والتشدد أكثر من السابق، وهو ما بدأ يحدث بالفعل على أيدي المسؤولين الجدد لدائرة المخابرات والذين يرتبطون بشكل قوي مع دولة الامارات وجهازها الأمني، بل إن بعضهم هو الذي حقق مع المعتقلين في سجن "الوثبة" في أبوظبي، وهو الذي أشرف على تعذيبهم هناك.
لا يهمنا من الضباط قديم ومن هو جديد، لكن المهم في كل هذه القصة هو أن علينا التأكيد بأن نموذج القمع الاماراتي لا يُمكن أن ينجح في الأردن، ومن يظن أن من الممكن تطبيقه على الأردنيين فهو واهم، ولا يعرف من هم الأردنيون ولا ما هو تاريخهم، إذ ما يصلح للامارات لا يعني أنه سيصلح لنا نحن في الأردن.
ثمة عاملان مهمان يجعلان نموذج القمع الاماراتي صالحاً في أبوظبي، لكنه في الأردن سيكون قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه النظام بأية لحظة:
العامل الأول، هو أن الامارات دولة غنية جداً، وريعية، ويكاد لا يوجد أي مواطن فيها إلا ويتنعم بما تمنحه له العائلة الحاكمة من امتيازات وملذات الحياة، ابتداء من السكن المجاني وليس انتهاءً بالراتب الفلكي دون أن يضطر لأن يعمل بشكل حقيقي، بينما نحن في الأردن ندفع الضرائب الباهظة لتمويل الحكومة، ويرقد أكثر من 50% من سكان المملكة تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 30% من شبابنا من البطالة، وهي أعلى نسبة بطالة في تاريخ المملكة.
أما العامل الثاني، فهو أن 80% من سكان دولة الامارات وافدون، وهؤلاء يعيشون في البلاد على قاعدة أنهم "ضيوف" و"مغتربون"، وهم تبعاً لذلك يوافقون ضمناً على التنازل عن جملة كبيرة من حقوقهم الأساسية، أما الأردنيون فهم يعيشون في بلدهم، وجذورهم في هذه الأرض أقدم من النظام السياسي بنفسه، وعشائرنا الأردنية موجودة على هذه الأرض قبل أن تصل العائلة الهاشمية، وقبل أن يصل اللاجئون الشركس الذين ينتمي اليهم مدير المخابرات، وقبل أن تتأسس هذه الدولة قبل 100 عام، ولذلك فلا يُمكن لهذه العشائر وأبنائها القبول بانتهاك حقوقهم الأساسية.
لتكن هذه النصيحة للملك ولدائرة المخابرات من مواطن أردني بسيط وفقير ومحب لبلده، فالأردن لا يُمكن أن ينجح فيه نموذج القمع الاماراتي، وهذه "هبة نيسان" في العام 1989، وانتفاضة الخبز في العام 1996، شاهدتان على هذه الحقيقة، وقد تم تجريبُ القمع علينا سابقاً فلم ينجح.. أطلقوا سراح المعتقلين، واتركوا الأردنيين يتضامنون مع أشقائهم، وأعيدوا الأردن لنا كما كان، وتوقفوا عن العبث من أجل الحصول على المال الاماراتي.