الأردن: هل اقتربت النار؟

بسام بدارين اليوم

النار تقترب من ثوب الأردنيين بصرف النظر عن كل خطابات وأدبيات التعايش والسلام التي أعقبت توقيع اتفاقية وادي عربة.
والنار تقترب بصرف النظر عن اتفاقيتي الغاز والمياه لأن الخطأ الاستراتيجي حصل في الماضي بواسطة الرهان على الصديق الأمريكي وتصديق رواياته.

وعبر رسم السيناريو الخاطئ والقائل بأن مصالح الأردن الأساسية يكفلها العمق الأمريكي ولا تتأثر بتقلبات المزاج الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين.

قيل لنا كمواطنين طوال سنوات أن العلاقات مع الأعماق في الحزب الجمهوري الأمريكي أقوى وأصلب من أن يؤثر فيها أي رئيس منتخب.

وقيل لنا طوال 3 عقود: مصالح الدولة الأساسية محمية بموجب شراكة ما لم تعد قائمة بالتأكيد الآن مع المنظومة العميقة في الكيان وحزمة المصالح هنا لا تؤثر فيها استعراضات المتطرفين الأوغاد المنتخبين في تل أبيب.

قيل لنا الكثير مما ثبت لاحقا افتقاره للدقة. وقيل لنا أكثر في ترويج ثقافة إنكار المخاطر وتسويق تلك القراءة التي تستند على تحقيق مكاسب عبر التمسك باستراتيجية السلام ويشهد جيل سياسي بأكمله بأن الأردن بتوقيع اتفاقية وادي عربة «دفن الوطن البديل» فيما الحقائق والوقائع القائمة اليوم في واشنطن وتل أبيب معا تقول بصعوبة إنكار المخاطر على الوطن الأصيل قبل البديل.

الخطأ الاستراتيجي بدأ من عند النقطة التي تمسك بها مفاوض وطني بارز كرر عدة مرات لكاتب هذه السطور: لا يجوز وفي كل حال قبول فكرة بقاء صنبور المياه أو ماكينة تدفق الغاز في حوش الجار السيئ العدواني. واضح أن من حذروا حتى بين المفاوضين تم إقصاؤهم طوال الوقت والغلبة كانت لمن آمنوا بالسلام والتعايش والتكيف في إطار شراكة ما أصبحت الآن غامضة مع الأمريكيين.

لحظة الحقيقة في الواقع حانت والمسألة لم تعد متعلقة برئيس أمريكي صديق ومزعج متخصص بإزعاج المجتمع الدولي وأوروبا فقط، وللتذكير فقد كان أول قرار إجرائي اتخذه ذلك الصديق الرئيس هو حجب المساعدات عن عدة دول صديقة، بينها الأردن، فيما الأشقاء العرب الفقراء والأغنياء استرسلوا في ترك الأردن عمليا وحيدا، يواجه نتائج التكيف مع اليمينين الإسرائيلي والأمريكي.

رموز أسطوانة التكيف منتشرون في إدارة المؤسسات. لكن منهجية التكيف والتواصل والشراكة تخفق الآن بوضوح في تفسير ما يجري لأصغر طفل أردني في مدرسة ابتدائية خلافا لأنها لم تنتج شيئا من عامين.

لم يعد من الحكمة العزف فقط على مشروخة الوطن البديل لأن المطلوب هو الوطن الأصيل وليس البديل فقط.

نؤمن بالدولة الأردنية ومؤسساتها وقدراتها على استشعار المخاطر والتصرف في مواجهتها، لكن لا بد من إشراك الشعب الأردني ومكوناته في خطة وقائية وطنية عامة تساهم في قراءة الواقع وتستعد لكمائن ومطبات، واضح تماما أنها لا ريب آتية في الطريق.

الشعب الأردني يستحق مشاركته بالحقائق والوقائع على الأرض حتى يتمكن من الدفاع عن دولته ومؤسساته ويحتاج لمصارحات وطنية تفصيلية اليوم حتى لا تتسلل الأجندات المريضة أو المختلة التي لا تحب للأردن والأردنيين الخير وسط حمأة الخرائط الجديدة التي ترسم للمنطقة وتبشر بأسوأ سيناريوهات يحتملها العقل البشري.

صحيح أن صاحب مقولة «اليوم تم دفن الوطن لبديل» عبد السلام المجالي رحمه الله رحل عن الدنيا وقبل رحيله بوقت قصير تراجع عن تلك المقولة وعلنا. لكن صحيح بالمقابل أن أقل تقدير موقف رسمي ينبغي أن يعيد إنتاج السردية الأردنية بخصوص إسرائيل وعملية السلام والمكاسب والمخاطر قبل فوات الأوان.

ليس مطلوبا إعلان الحرب على العدو الذي بدأ يتحرش وبوضوح شديد بكل ثوابت الأردنيين المقدسة، ليس في فلسطين المحتلة فقط، ولكن في العمق السوري والعراقي واللبناني، لا بل في الأغوار أيضا على أكتاف الجغرافيا الأردنية.

يحتاج الرأي العام الأردني لشرح وتفصيل من رموز وقيادات الدولة والحكومة يسبق عملية تحشيده للدفاع عن مؤسساته، ويحتاج الأردنيون عموما للتحلق حول مؤسساتهم مرحليا على الأقل، وترك الخلافات والاتهامات والتجاذبات لأن استقرار الأردن في هذه المرحلة الصعبة المعقدة هو الأولوية.

العدو الآن واضح وتسميته لا تحتاج لجهد، لكن الحكومة عليها دفن مقولات التعايش والسلام فـ»ما حصل عند جارك سيحصل حقا في دارك» ومن قال هذه العبارة نرفع له القبعة احتراما وتقديرا.

لا نحتاج لزيارة القمر ولا لاختراع صواريخ… الخطر معرف ووشيك وبدأ مشواره وفي ظل مخاطر لم يعد من الحكمة نكرانها لا بد من إجراءات هدفها حماية الأردن، وليس تحرير فلسطين.

ولا بد من استخدام أوراق القوة حتى وإن كانت خشنة أحيانا، بما في ذلك ورقة الحدود واللاجئين وأوراق الشعب الأردني الذي لا تقبل مصالح الوطن والدولة عنده القسمة على اثنين.
أوراق القوة على الطاولة فقط نحتاج لاستعمالها.

اقرأ أيضًا

زر الذهاب إلى الأعلى