نصف الشباب يتراجع عن الزواج والطلاق يتصاعد.. أزمة الأسرة تهدد المجتمع (أرقام واحصائيات)

لم تعد الأرقام حول الزواج والطلاق في مجرد مؤشرات إحصائية جامدة، بل صارت تعكس تغيّرًا اجتماعيًا عميقًا يطال بنية الأسرة نفسها، فالمجتمع يشهد خلال السنوات الأخيرة تراجعًا حادًا في معدلات الزواج يقابله ارتفاع مضطرد في نسب الطلاق، في ظاهرة باتت تقلق المختصين وتثير تساؤلات حول مستقبل التوازن الاجتماعي والديموغرافي في البلاد.
نصف الزيجات تتبخر خلال عقد ونصف
وتكشف الإحصاءات الرسمية عن انخفاض معدلات الزواج بنسبة تفوق 50 بالمئة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، ففي عام 2010، كان المعدل الخام يقارب 11.6 عقدًا لكل ألف من السكان، لكنه تراجع إلى 5.2 فقط في عام 2024، رغم تضاعف عدد السكان من ستة إلى نحو اثني عشر مليون نسمة.
هذا التراجع لم يقف عند حدود المعدلات، بل أصاب الأعداد المطلقة نفسها؛ إذ انخفض عدد عقود الزواج من نحو 75 ألفًا إلى 60 ألفًا فقط، ما يعني أن آلاف الشباب لم يعودوا يرون في الزواج خطوة واقعية أو ممكنة.
الطلاق يرتفع رغم “استقرار المعدل”
في المقابل، فإن عدد حالات الطلاق ارتفع بشكل واضح من نحو 16 ألف حالة في 2010 إلى ما يزيد على 25 ألفًا في 2024.
ورغم أن المعدل الخام للطلاق بقي قريبًا من 2 لكل ألف، فإن النسبة إلى عدد الزيجات الجديدة تكشف عمق الأزمة: فاليوم هناك حالة طلاق مقابل كل ثلاث زيجات تقريبًا، بعد أن كانت النسبة ربعًا قبل عقد ونصف.
بكلمات أخرى، الزواج أصبح أقل عددًا وأقل استقرارًا.
ضغوط اقتصادية تخنق أحلام الشباب
وراء هذه الأرقام واقع اقتصادي قاسٍ فارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة وتضخم تكاليف الزواج جعلت كثيرًا من الشباب عاجزين عن الإقدام على الخطوة الأولى.
المهور المرتفعة، واشتراطات السكن الفخم، والمصاريف التي تُثقل كاهل المقبلين على الزواج، كلها عوامل جعلت الزواج مشروعًا “طبقيًا” أكثر منه اجتماعيًا، لا يقدر عليه إلا الميسورون.
أحد الشبان الذين التقاهم معدّ التقرير لخّص المعضلة بقوله: “الزواج صار حلمًا مؤجّلًا، وكلما عملت أكثر، ارتفعت الأسعار أسرع”.
ثقافات وافدة تعيد تعريف العلاقة بين الجنسين
لكن المشكلة لا تقف عند حدود الجيب، بل تمتد إلى التحوّل في القيم الاجتماعية. فقد تسرّبت إلى المجتمع الأردني ثقافات فردانية وغربية تُعيد تشكيل نظرة الجيل الجديد للعلاقة بين الرجل والمرأة.
بعض الشبان يرون الزواج قيدًا على الحرية، وبعض الفتيات يعتبرنه عبئًا يقيّد طموحهن.
وتشير دراسات علم الاجتماع إلى أن الفكر النسوي المتطرّف والخطاب الإعلامي المبالغ في “التحرر” ساهما في تراجع صورة الزواج كمؤسسة استقرار وتكامل، وحوّلاه إلى خيار مؤجل أو حتى مرفوض لدى فئات متزايدة من الشباب.
رهاب الزواج.. خوف متبادل وهاجس متصاعد
تعبّر دراسات حديثة عن ظاهرة “رهاب الزواج” التي تنتشر بين الجنسين على حد سواء.
فالشباب يخشون الأعباء المادية والالتزامات القانونية، بينما تخشى الفتيات تكرار نماذج أسرية غير متكافئة أو مقيدة للحرية.
وتشير تقارير المجلس الأعلى للسكان إلى أن أكثر من 100 ألف امرأة تجاوزن سن 35 دون زواج، ما يحمل آثارًا ديموغرافية وصحية طويلة المدى، ويهدد التوازن السكاني في المستقبل.
دعوة لمراجعة شاملة قبل فوات الأوان
يرى مختصون أن مواجهة هذه الأزمة تحتاج إلى أكثر من مجرد خفض للمهور أو دعم مادي للزواج، والمطلوب — بحسبهم — مراجعة ثقافية وإعلامية شاملة تعيد الاعتبار للأسرة وتوازن العلاقة بين الرجل والمرأة بعيدًا عن المبالغة أو التطرف.
كما يدعون إلى سياسات حكومية جادّة لتوفير فرص العمل والسكن للشباب، وضبط الخطاب الإعلامي والثقافي الذي يسخر من الزواج أو يصوّره عبئًا.
وفي ظل هذه المؤشرات، يبدو أن المجتمع يقف عند مفترق طرق: إما أن يستعيد ثقته بمؤسسة الزواج بوصفها ركيزة الاستقرار، أو أن يواصل الانزلاق نحو تفكك أسري صامت سيكون ثمنه غاليًا في العقود القادمة