اقتحام متكرر للمسجد الأقصى.. الوصاية الأردنية صِفة قانونية أم نفوذ مفقود؟

في مشهد يتكرر بشكل متصاعد، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، برفقة وزراء ونواب في الكنيست، أكثر من 1400 مستوطن، المسجد الأقصى المبارك يوم الاثنين، تزامنًا احتلال العاصمة الفلسطينية القدس أو مع ما يسمى بـ” يوم القدس” حسب التقويم العبري.
ويعد “يوم القدس” هو احتفال إسرائيلي رسمي بذكرى احتلال مدينة القدس في يونيو 1967، وهي الذكرى التي تمثل بالنسبة للفلسطينيين والعرب بداية تهويد القدس وطمس هويتها ومع حلول هذه الذكرى كل عام، تنظّم “مسيرة الأعلام” الاستفزازية، التي تمرّ في أحياء القدس القديمة وتتضمن شعارات عنصرية تدعو لطرد الفلسطينيين.
تهويد القدس في الذكرى السوداء
لم يكن اختيار “يوم القدس” لتكثيف الاقتحامات عشوائيًا، بل هو رسالة من حكومة الاحتلال، مفادها أن “السيادة في القدس لنا”، وأنها تمضي في مشروع تهويد المدينة بكل تفاصيله، من تغيير أسماء الشوارع، إلى فرض المناهج، واعتبار المسجد الأقصى مجرد “جبل الهيكل”.
وفي الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى نكبة القدس الشرقية، تختار إسرائيل هذا اليوم للتأكيد على روايتها الزائفة، ضاربة عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة التي لا تعترف بضم القدس، وتعتبرها مدينة محتلة منذ عام 1967.
الوصاية الأردنية… حبر على ورق؟
ما جرى اليوم يعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول جدوى الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، والتي طالما افتخر بها كإنجاز سياسي ودبلوماسي أردني.
فبموجب اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، تعترف إسرائيل بدور المملكة في إدارة المقدسات الإسلامية في القدس، وهو ما أعيد التأكيد عليه في اتفاقية الوصاية الأردنية-الفلسطينية الموقعة عام 2013 بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كما أن دائرة أوقاف القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، تُعد الجهة القانونية المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى وتنظيم الدخول إليه، غير أن الوقائع على الأرض تكشف هشاشة هذا الدور في ظل استمرار اقتحامات المتطرفين، وتغاضي الاحتلال عن أي التزام قانوني أو دبلوماسي.
بيان الخارجية الأردنية: إدانة غاضبة ولكن
في بيان رسمي، أدانت وزارة الخارجية الأردنية “بأشد العبارات” الاقتحام الجديد، واعتبرته “انتهاكًا صارخًا للوضع التاريخي والقانوني القائم، ومحاولة لتقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا”، كما حذرت من “مغبة استمرار هذه الانتهاكات”، مؤكدة أن المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا، هو مكان عبادة خالص للمسلمين.
لكن هذه الإدانة – رغم أهميتها السياسية – لم توقف الاقتحام، ولم تمنع شرطة الاحتلال من تسهيل دخول المستوطنين، ولم تحمِ حرمة المكان الذي يتعرض يوميًا لتضييقات على المصلين المسلمين، في حين يُفتح للمستوطنين بجولات منظمة.
ماذا تبقى من الوصاية؟
في نظر كثير من الفلسطينيين والمراقبين، تبدو الوصاية الأردنية اليوم وكأنها تتآكل عمليًا، رغم ما تحمله من ثقل قانوني وتاريخي. فبينما تتغنى إسرائيل باعتراف الأردن بإدارتها للمقدسات، لا تلتزم بأي من تفاصيل ذلك على الأرض، وتستغل المناسبات الدينية اليهودية لفرض وقائع جديدة داخل المسجد المبارك.
والسؤال الأخطر الآن: هل تستطيع عمان ترجمة وصايتها إلى نفوذ فعلي على الأرض، أم أن إسرائيل تمضي في سياستها الهادفة إلى تقويض هذا الدور وتحويل الأقصى إلى ساحة اقتحام يومية، في ظل صمت دولي مخزٍ ودعم أمريكي غير مشروط؟