تقارير

اعتقالات وتنكيل.. هل أصبح “الكريسماس” خطا أحمر في الأردن؟

أعاد توقيف الداعية الإسلامي أيمن البلوي، المختص في الفقه وأصوله، فتح ملف حدود حرية التعبير الديني في الأردن، بعد اعتقاله على خلفية مقطع مصوّر تناول فيه رأيا فقهيا حول احتفال المسلمين بما يُعرف بـ”الكريسماس”، في واقعة تجاوزت حدود الجدل الديني لتتحول إلى سؤال عام حول طبيعة الخطوط الحمراء وحدود النقاش المسموح وحرية الرأي في البلاد.

وبحسب ما جرى تداوله على منصات محلية ومواقع التواصل الاجتماعي، جاء توقيف البلوي عقب نشره تسجيلاً وجّه فيه حديثه حصراً إلى المسلمين، مقدّماً طرحاً فقهياً متداولاً في الأدبيات الدينية بشأن المشاركة في احتفالات رأس السنة الميلادية، دون أن يتضمن إساءة أو خطاب كراهية موجهاً إلى المواطنين المسيحيين، ورغم ذلك، لم يصدر حتى الآن أي توضيح رسمي يبيّن الأساس القانوني للتوقيف، أو يحدد ما إذا كان محتوى الفيديو يشكّل مخالفة صريحة للقانون، ما أبقى القضية في دائرة الغموض.

ولم يقتصر الأمر على توقيف البلوي، إذ شمل الاعتقال مجموعة من الشبان، من بينهم حسن أيمن العتوم، نجل الداعية والروائي المعروف أيمن العتوم، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقاً، في خطوة زادت من التساؤلات حول طبيعة الإجراءات المتخذة، وما إذا كانت التوقيفات جاءت استناداً إلى معايير قانونية واضحة، أم ضمن مقاربة أوسع لتقييد الخطاب الديني غير الرسمي في الفضاء العام.

وفي خضم هذا الجدل، صدر بيان أمني أكد إحالة 16 شخصاً إلى محافظ العاصمة، على خلفية ما وصفه بـ“إثارة النعرات الدينية والطائفية” عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تضمنت، بحسب المصدر، إساءات للأعياد المسيحية. وشدد المصدر على أن الجهات الأمنية “لن تتهاون” مع مثل هذه المخالفات، باعتبارها تمس السلم المجتمعي وتسيء إلى فئة أصيلة من نسيج المجتمع الأردني.

غير أن هذا البيان، بدل أن يحسم الجدل، فتح باباً جديداً للتساؤل، إذ رأى متابعون أن الخلط بين خطاب الكراهية وبين الرأي الديني الفقهي يثير إشكالية خطيرة، خاصة في ظل غياب توضيح رسمي يفرّق بين الإساءة المباشرة للأعياد المسيحية، وبين نقاش فقهي موجّه للمسلمين حول المشاركة في احتفالات دينية لا تنتمي إلى عقيدتهم.

وتوالت ردود الفعل الناقدة، حيث اعتبر ناشطون وكتّاب أن ما طرحه البلوي يندرج ضمن الرأي الديني المشروع، ولا يتضمن تحريضاً أو كراهية أو مساساً بالسلم المجتمعي، متسائلين عمّا إذا كان مجرد الامتناع عن الاحتفال بالكريسماس أو انتقاده من منظور ديني قد أصبح فعلياً خطاً أحمر يستدعي تدخلاً أمنياً.

وذهب بعض المعلقين إلى مقارنات مع دول غربية ذات غالبية مسيحية، حيث يُسمح بانتقاد الكريسماس أو عدم الاحتفال به دون ملاحقات أو توقيفات، معتبرين أن ما يجري في الأردن يعكس تضييقاً متزايداً على حرية الرأي الديني، ويقوّض صورة التعددية التي لطالما جرى الترويج لها رسمياً.

وفي هذا السياق، حذّر متابعون من أن توسيع مفهوم “إثارة النعرات” ليشمل آراء فقهية غير تحريضية يفتح الباب أمام تأويل فضفاض للقانون، ويضع سقفاً غير معلن للوعظ الديني، خصوصاً في ظل الانتشار الواسع لمحتوى الدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يرافقه من اختلافات فكرية وفقهية طبيعية.

لاحقاً، أُفرج عن حسن أيمن العتوم وثمانية من رفاقه، فيما لا يزال ستة موقوفين قيد الاحتجاز في سجن ماركا، دون صدور توضيح رسمي يبيّن أسباب استمرار توقيفهم أو الإطار الزمني المتوقع لحسم ملفاتهم، ما عمّق الانتقادات بشأن غياب الشفافية في إدارة الملف.

وتأتي هذه التطورات في وقت يتصاعد فيه النقاش داخل الأردن حول الخط الفاصل بين حماية السلم المجتمعي واحترام حرية التعبير الديني، وسط سؤال بات مطروحاً على نطاق واسع: هل أصبح “الكريسماس” في الأردن مناسبة محصّنة من النقاش، أم أن المشكلة تكمن في غياب تعريف واضح لما يُعد خطاب كراهية وما يُعد رأياً دينياً مشروعاً؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى