تقارير

بعد فضيحة “الصوبات القاتلة”.. إحالة مديرة المواصفات إلى التقاعد تحت ضغط الكارثة

قرر مجلس الوزراء، الأربعاء، إحالة مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس، عبير بركات الزهير، إلى التقاعد، في خطوة جاءت بالتزامن مع تصاعد الجدل النيابي والشعبي حول ملف “الصوبات” الغازية، الذي ارتبط بسلسلة حوادث وفاة خلال فصل الشتاء الحالي، وأعاد إلى الواجهة أسئلة قديمة متجددة حول الرقابة والمساءلة.

وجاء القرار بعد ساعات من جلسة نيابية اتسمت بالتوتر، خصصت لاستجواب الزهير حول آلية السماح بدخول أنواع من المدافئ الغازية إلى السوق المحلي، رغم وجود قرارات سابقة برفضها، في ملف اعتبره نواب مرتبطًا مباشرة بسلامة المواطنين وحياتهم.

ولم تعد حوادث الوفاة الجماعية، بحسب مداخلات نيابية، أحداثا استثنائية، بل باتت تتكرر بوتيرة مقلقة، من فاجعة البحر الميت، إلى حريق دار المسنين، وصولًا إلى حوادث الاختناق والتسمم المرتبطة بوسائل التدفئة هذا العام، في مشهد يتكرر فيه السيناريو ذاته: ضحايا، ووعود بالتحقيق، ثم غياب نتائج واضحة أو محاسبة معلنة.

وخلال الجلسة، قدم النائب وسام الربيحات رواية وصفها بالموثقة، مؤكدًا أن مؤسسة المواصفات والمقاييس كانت قد رفضت إدخال هذه “الصوبات” بشكل صريح عام 2020، سواء جرى تصنيفها كوسيلة تدفئة أو كغاز منزلي، قبل أن يتغير القرار في العام التالي.

وأوضح الربيحات أن عام 2021 شهد خضوع المؤسسة لضغوط من قبل تجار، أسفرت عن استثناء هذه الصوبات والسماح بإدخالها، ما أدى إلى إغراق السوق بآلاف القطع خلال فترة قصيرة، معتبرًا أن الأخطر من قرار السماح نفسه كان منح التجار فترات سماح طويلة امتدت لعام كامل، ثم جرى تمديدها لاحقًا من 2022 إلى 2023، دون رقابة فعلية أو مساءلة، رغم رسوب هذه المنتجات في فحوصات المواصفات لدى المؤسسة ذاتها.

وأكد النائب أن بحوزته وثائق رسمية صادرة عن مؤسسة المواصفات والمقاييس تثبت هذه الوقائع، رابطًا بين هذا الملف وسلسلة الحوادث التي أودت بحياة عشرات المواطنين، ومشيرًا إلى خلل بنيوي في منظومة الرقابة، يتم فيه “تدوير المسؤولين بدل محاسبتهم”.

وشدد الربيحات على أن الهدف من إثارة الملف لا يتعلق بالمناكفة السياسية، بل بدق “جرس إنذار” لحماية المواطنين، محذرًا من أن مئات آلاف الأسر ما تزال تستخدم هذه الصوبات في منازلها، ما يعني أن الخطر ما زال قائمًا ومتكررًا.

كما وجه رسالة مباشرة للمواطنين دعاهم فيها إلى عدم الاعتماد على هذه الوسائل، وعدم الاطمئنان إلى إجازات رسمية وصفها بأنها غير كافية لحمايتهم، مطالبًا الجهات المعنية والأجهزة الأمنية بإطلاق تحذيرات واضحة وعاجلة، على غرار ما جرى خلال جائحة كورونا، لتجنب مسؤولية أخلاقية وإنسانية جديدة.

في المقابل، حاولت الزهير خلال الجلسة تقديم تفسيرات فنية، مشيرة إلى أن دخول هذه الصوبات إلى السوق قبل عام 2020 كان يتم تحت مسميات مختلفة، أحيانًا كطباخ غاز وأحيانًا كأداة أخرى، قبل أن تُمنح تصنيفات فنية محددة.

وأضافت أن المؤسسة، وبعد رصد حالات استخدام خاطئ وخطر، عدّلت آلية التعامل مع هذه المنتجات، ومنعت إدخالها بالشكل السابق، واعتبرتها وسيلة تدفئة تخضع للمواصفات القياسية الأوروبية الخاصة بالمدافئ الغازية.

إلا أن تساؤلات النواب بقيت قائمة حول جدوى هذه المواصفات ومدى فاعليتها في حماية المواطنين، في ظل الحوادث المتكررة على أرض الواقع، ما أبقى الملف مفتوحًا على احتمالات تصعيد رقابي، وسط تساؤلات عمّا إذا كانت هذه الجلسة ستشكّل بداية لمسار مساءلة حقيقي، أم حلقة جديدة في سلسلة ملفات تُفتح تحت القبة ثم تُطوى خارجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى