العناوينتقارير

يموتون بردا أو اختناقا.. مدافئ الموت تحاصر الفقراء هل تنهي الإجراءات الأزمة؟

مع كل موجة برد قاسية، يتجدّد السؤال القاسي نفسه في بيوت كثيرة: كيف ندفئ أبناءنا من دون أن نعرضهم للموت؟ سؤال أعادته إلى الواجهة حوادث الاختناق المميتة التي وقعت مؤخرًا، وفتحت ملف المدافئ غير الآمنة على مصراعيه، في وقت يبدو فيه المواطن محاصرًا بين برد قاسٍ وحلول تدفئة قد تكون قاتلة.

حوادث الاختناق التي سجلت خلال الفترة الماضية وأسفرت عن وفاة عدد من الأشخاص، أعادت تسليط الضوء على واقع شريحة واسعة من المواطنين الذين لا يملكون بدائل آمنة للتدفئة، فهذه المدافئ، المنتشرة منذ سنوات في السوق المحلي، باتت خيارًا اضطراريًا لكثيرين لا تسمح ظروفهم المعيشية باللجوء إلى وسائل تدفئة أكثر أمانًا أو كلفة أقل على الصحة، وفي هذا السياق، يتكرس شعور عام بأن من يمتلك القدرة المالية يحمي نفسه، فيما تترك الفئات الأقل دخلًا في مواجهة حلول محفوفة بالمخاطر.

وبلغت خطورة أزمة المدافئ غير الآمنة ذروتها، أمس، مع وفاة 10 أشخاص في محافظة الزرقاء جراء حادثة اختناق ناتجة عن تسرب غاز داخل أحد المنازل، في واحدة من أكثر الحوادث دموية هذا الشتاء، حيث طالب النائب محمد جميل الظهراوي الحكومة بفتح تحقيق فوري في ملابسات الحادثة، ومحاسبة المسؤولين عن تداول وسائل تدفئة غير آمنة، محذرًا من استمرار نزيف الأرواح مع كل موجة برد.

أمام تصاعد القلق الشعبي، أعلنت مؤسسة المواصفات والمقاييس اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية، شملت منع ثلاثة مصانع محلية من بيع مدافئ الغاز التي تنتجها، والتحفظ على الكميات الموجودة لديها، إلى حين صدور نتائج الفحوصات الفنية التي تجريها الجمعية العلمية الملكية.

وأكدت المؤسسة أنها، وبالتعاون مع مديرية الأمن العام، تحفظت على أكثر من خمسة آلاف مدفأة من هذا النوع داخل المصانع وفي المحال التجارية، مشيرة إلى أن هذه المدافئ تُنتج محليًا ولا يتم استيرادها من الخارج.

التحرك الحكومي لم يقتصر على الجانب التنفيذي، إذ كشف وزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة أنه ترأس اجتماعًا في مؤسسة المواصفات والمقاييس لمتابعة الإجراءات المتخذة على أرض الواقع، بالتزامن مع تكثيف حملات الرقابة على المدافئ المعروضة في السوق المحلي.

وأكدت الجهات الرسمية أن وسائل التدفئة تعد من السلع الحساسة التي تخضع لإجراءات رقابية مشددة قبل طرحها وبعده، مع التشديد على عدم التهاون مع أي مخالفة للمواصفات المعتمدة.

في المقابل، شددت مديرية الأمن العام على أن التحفظ على المدافئ جاء بشكل احترازي، وأن جميع العينات التي جُمعت من المصانع والمحال التجارية وحتى من المنازل التي شهدت حالات اختناق، أُرسلت إلى الجمعية العلمية الملكية لتحديد أسباب الوفيات والاختناقات بدقة. كما دعت المواطنين إلى الامتناع عن استخدام هذا النوع من مدافئ الغاز، وتحت أي ظرف، إلى حين صدور التقارير الفنية النهائية.

وعلى الصعيد التشريعي، من المقرر أن تناقش لجنة الطاقة والثروة المعدنية النيابية، اليوم الأحد، ملف المدافئ غير الآمنة وحوادث الاختناق الأخيرة، في محاولة لبحث أبعاد الأزمة ومساءلة الجهات المعنية حول إجراءات الوقاية والرقابة، وسط مطالبات شعبية بعدم الاكتفاء بالمعالجات المؤقتة.

بالتوازي، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلًا واسعًا مع القضية، حيث عبّر مواطنون عن غضبهم من تكرار سيناريو الوفيات كل شتاء، معتبرين أن التحركات الحالية، رغم أهميتها، جاءت بعد فوات الأوان بالنسبة للضحايا. وطرح كثيرون تساؤلات حول سبب استمرار تداول هذه المدافئ لسنوات قبل أن تتحول إلى ملف طارئ عقب وقوع وفيات.

ويبقى السؤال الأوسع مطروحًا: هل تكفي إجراءات التحفظ والمنع والفحص، أم أن الأزمة أعمق وترتبط بالواقع الاقتصادي وغياب بدائل تدفئة آمنة وميسورة؟ سؤال يتجاوز المدفأة كأداة، ليصل إلى جوهر السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وإلى مسؤولية الدولة في حماية حياة مواطنيها، حتى لا يبقى الخيار قائمًا بين الموت من البرد أو الموت من وسائل التدفئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى