تقارير

موت مرخص وكوارث تتكرر.. كيف سمح للصوبات المرفوضة بدخول البيوت دون محاسبة؟

لم تعد حوادث الموت الجماعي في الأردن أحداثا استثنائية، بل باتت تتكرر بوتيرة سنوية، حاملة معها الأسئلة ذاتها عن المسؤولية والمحاسبة، من دون أن تفضي في كل مرة إلى استقالة مسؤول أو إحالة واضحة إلى القضاء، فمن فاجعة البحر الميت، إلى حريق دار المسنين، وصولًا إلى الحوادث المرتبطة بوسائل التدفئة هذا العام، تتراكم المآسي فيما يبقى المشهد الرسمي ثابتا “ضحايا، ووعود بالتحقيق، ثم صمت.”

هذا السياق الثقيل خيم على جلسة مجلس النواب التي شهدت استجواب مديرة مؤسسة المواصفات والمقاييس، في جلسة بدت متوترة، وفق مجريات النقاش، حيث واجهت أسئلة مباشرة حول آلية السماح بدخول “الصوبات” الغازية إلى السوق، رغم وجود قرارات سابقة برفضها، وتوتر الجلسة، وعدم وضوح الإجابات، أعادا فتح ملف طالما أغلق قبل أن يبلغ خواتيمه.

وقدم النائب وسام الربيحات قدم، خلال الجلسة، رواية تفصيلية وصفها بالموثقة، مؤكدًا أن مؤسسة المواصفات والمقاييس كانت قد رفضت هذه الصوبات بشكل صريح عام 2020، سواء أدخلت على أنها وسيلة تدفئة أو كغاز منزلي، قبل أن يتغير القرار في العام التالي.

وبحسب الربيحات، فإن عام 2021 شهد خضوع المؤسسة لضغوط من قبل التجار، جرى على إثرها استثناء هذه الصوبات والسماح بإدخالها إلى السوق، ما أدى إلى إغراقه بآلاف القطع خلال فترة زمنية قصيرة.

وأشار الربيحات إلى أن الأخطر في الملف لا يقتصر على قرار الاستثناء نفسه، بل في منح التجار فترة سماح امتدت لعام كامل، ثم تمديدها لاحقًا من عام 2022 إلى 2023، دون مساءلة أو رقابة فعلية، رغم أن هذه الصوبات رسبت في فحوصات المواصفات لدى المؤسسة ذاتها، وأكد النائب أن بحوزته وثائق رسمية صادرة من داخل مؤسسة المواصفات والمقاييس تثبت هذه الوقائع.

وفي مداخلته، ربط الربيحات بين هذا الملف وسلسلة الحوادث الكبرى التي أودت بحياة عشرات المواطنين في السنوات الأخيرة، معتبرا أن ما يحدث يعكس خللا بنيويا في منظومة الرقابة والمساءلة، حيث يعاد تدوير المسؤولين بدل محاسبتهم.

وأوضح أن الهدف من طرح الملف ليس المناكفة السياسية، بل دق “جرس الإنذار” لحماية المواطنين، محذرًا من أن مئات آلاف الأسر ما تزال تستخدم هذه الصوبات، في ظل خطر حقيقي ومتكرر.

كما وجه النائب رسالة مباشرة للمواطنين، دعاهم فيها إلى عدم الاعتماد على وسائل التدفئة هذه، وعدم الركون إلى إجازات رسمية يصفها بأنها غير كافية لحمايتهم، مطالبًا الأجهزة الأمنية والجهات المعنية بالتحرك العاجل لتحذير الناس، كما حدث خلال جائحة كورونا، لتفادي مسؤولية أخلاقية وإنسانية جديدة.

في المقابل، حاولت مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس، عبير الزهير، خلال الجلسة، تقديم توضيحات فنية حول تطور التعامل مع هذه الصوبات، مشيرة إلى أن دخولها إلى السوق قبل عام 2020 كان يتم بأشكال مختلفة، أحيانا كطباخ غاز، وأحيانا كأداة أخرى، قبل أن تمنح تصنيفات فنية معينة.

ولفتت إلى أنه، مع رصد حالات استخدام خاطئ وخطر لهذه المنتجات، جرى تعديل آلية التعامل معها ومنع إدخالها بالشكل السابق، واعتبارها وسيلة تدفئة تخضع للمواصفات القياسية الأوروبية الخاصة بالمدافئ الغازية.

غير أن تساؤلات النواب ظلت قائمة حول جدوى هذه المواصفات، ومدى نجاحها في حماية المواطنين، خاصة في ظل الوقائع الميدانية والحوادث المتكررة. وهو ما أبقى الملف مفتوحًا على احتمالات تصعيد رقابي، في انتظار ما إذا كانت هذه الجلسة ستشكل بداية لمسار مساءلة حقيقي، أم حلقة جديدة في سلسلة ملفات تُفتح تحت قبة البرلمان، ثم تُطوى خارجها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى