عام على استشهاد ماهر الجازي.. رمز المقاومة والوفاء للقضية الفلسطينية

يستعيد الأردنيون ذكرى مرور عام على استشهاد البطل ماهر الجازي، الذي ارتقى وهو يذود عن كرامة الوطن ويؤدي واجبه بشجاعة نادرة، فقد شكل رحيله لحظة فارقة في الوجدان الشعبي، لما مثله من قيم أصيلة في الإقدام والتضحية والإيمان بالرسالة الوطنية.
في الثامن من سبتمبر 2024، دوى اسم ماهر ذياب حسين الجازي، العسكري الأردني المتقاعد وسائق الشاحنة القادم من محافظة معان، بعدما نفذ عملية مسلحة على جسر الملك حسين (اللنبي) الفاصل بين الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.
العملية التي أودت بحياة ثلاثة من جنود الاحتلال الإسرائيلي، انتهت باستشهاد الجازي، لكنها جعلت منه أيقونة في وجدان الكثيرين ممن اعتبروا فعله امتدادًا لمسيرة النضال الأردني والفلسطيني المشترك.
المولد والنشأة
ولد الجازي في 28 أبريل 1985 بقرية أذرح في محافظة معان، ونشأ في كنف عشيرة الحويطات الشهيرة بتاريخها الوطني، والدته تدعى عائشة، وله أشقاء بينهم شادي وكاسب.
تزوج لاحقًا ورُزق بخمسة أطفال، وكان يقيم مع أسرته في منطقة الحسينية. عرف عنه التزامه الديني وارتباطه الوثيق بأهله وعشيرته، كما ورث اعتزازًا كبيرًا بتاريخ عائلته التي أنجبت قامات بارزة مثل الشيخ هارون الجازي، قائد معركة القسطل عام 1948، واللواء مشهور حديثة الجازي، أحد قادة معركة الكرامة عام 1968.
المسيرة المهنية والحياة اليومية
التحق الجازي بالخدمة العسكرية في القوات المسلحة الأردنية، قبل أن يتقاعد ليعمل سائق شاحنة، ورغم بساطة مهنته، بقي يحمل هم القضية الفلسطينية في قلبه، متأثرًا بما يجري في غزة والضفة الغربية.
أصدقاؤه يصفونه بأنه كان هادئًا، دمث الأخلاق، لكنه شديد الحساسية تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون من حصار وقتل وتشريد.
العملية وظروفها
في صباح الثامن من سبتمبر/أيلول 2024، قاد الجازي شاحنته كالمعتاد عبر جسر الملك حسين باتجاه الأراضي الفلسطينية وعند نقطة التفتيش الإسرائيلية، ترجل وهو يحمل مسدسًا من طراز JTP9C، وأطلق النار من مسافة قريبة على عناصر أمن المعبر الإسرائيلي، موقعًا ثلاثة قتلى بينهم، قبل أن يستشهد برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
جاءت عمليته بعد نحو عام من العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة (منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023)، الذي خلّف عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمارًا واسعًا في البنية التحتية، مع حصار خانق تسبب في مجاعة ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.
التشييع وردود الفعل
بعد استشهاده، سلم الاحتلال الإسرائيلي جثمان الجازي إلى السلطات الأردنية، التي نقلته إلى ذويه في الحسينية بمحافظة معان. هناك، احتشد المئات في جنازته التي انطلقت من مسجد الحسينية الكبير إلى مقبرة العودات.
شارك أبناء عشيرته ومواطنون من مختلف المناطق في التشييع، وسط هتافات تمجد الشهيد وتندد بالاحتلال الإسرائيلي. وقد لف جثمانه بالعلم الأردني، وتداول الناشطون صورًا مؤثرة لوداعه.
إرث يتجدد بعد عام
مع حلول الذكرى الأولى لاستشهاده، لا يزال اسم ماهر الجازي حاضرًا بقوة في ذاكرة الأردنيين والفلسطينيين. بالنسبة للكثيرين، جسّد شجاعة الفرد في مواجهة قوة عسكرية كبرى، ورسّخ قناعة أن جذوة المقاومة لم ولن تنطفئ مهما طال الزمن.
ويرى متابعون أن قصة الجازي لا تنفصل عن إرث عشيرته الوطني، ولا عن سياق أوسع من الغضب الشعبي الأردني تجاه سياسات الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا بعد حرب غزة التي شكلت خلفية مباشرة لقراره بالتحرك.
رحل ماهر الجازي تاركًا وراءه خمسة أطفال، وعائلة فخورة، وذاكرة وطنية تتناقلها الأجيال. بعد عام على استشهاده، يبدو أن قصته لم تُكتب في صفحة عابرة، بل غدت جزءًا من تاريخ طويل من التضحيات الأردنية والفلسطينية المشتركة في مواجهة الاحتلال.