طفل خلف القضبان.. عبد الرحمن الجهني ضحية انتهاك “حقوق الحدث” في الأردن
منذ ساعتين
أثارت قضية الشاب عبد الرحمن خالد الجهني، المعتقل منذ أكثر من 106 أيام، موجة غضب واستنكار واسعَين في الأوساط الحقوقية والشعبية، بسبب ما تكشف عنه من ممارسات تنتهك أبسط المعايير القانونية والإنسانية، خاصة بحق القاصرين.
عبد الرحمن، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، يقبع حاليًا في أحد بمركز المخابرات العامة الأردنية، بعد اتهامات وصفت بأنها “ملفّقة ولا تستند إلى أدلة واضحة”، وسط أنباء متواترة عن تعرضه للضرب والتهديد المباشر بالقتل من قبل المحققين، في انتهاك فج لاتفاقيات حقوق الطفل والقوانين المحلية التي تحظر تعذيب الأطفال أو الضغط عليهم خلال التحقيق.
بحسب مصادر مقربة من العائلة، فإن عبد الرحمن اعتقل دون مذكرة قضائية واضحة، في سياق حملة أمنية في أبريل الماضي، ضمن حملة أمنية طالت والده وعمه، وعددًا من النشطاء والفتية في منطقة إقامته، ولم يُسمح له بالوصول إلى محامٍ خلال الأيام الأولى من اعتقاله، ما يعكس تجاهلاً لأبسط قواعد المحاكمة العادلة.
وتشير روايات مقربة من الشاب إلى أن الفتى المعروف بسلوكه الهادئ واهتمامه بحفظ القرآن الكريم، خضع لتحقيقات شاقة تضمنت تهديدات صريحة مثل: “رح نطخك، رح نرميك من الشباك إذا ما بتعترف!”، ما تسبب له باضطرابات نفسية وشعور دائم بالترهيب.
الاعتقال وانتكاسة التعليم
وخلال احتجازه، انتهى عامه الدراسي بالكامل، إذ لم يسمح له بالتقدم لامتحانات الثانوية (البِتك) بعد تحويله للمسار الأكاديمي، مما أفقده حقوقه الأساسية في التعليم حسب القانون الأردني واتفاقية حقوق الطفل العالمية
وبذلك تتجاوز القضية حدود المعاملة السيئة إلى انتهاك صريح لحقه في التعليم، إذ حرم عبد الرحمن من التقدم لامتحانات الثانوية العامة وجرى تحويله قسرًا إلى المسار الأكاديمي دون مشورته أو موافقة عائلته، ما تسبب في خسارته لسنة دراسية كاملة، ولم تتخذ أي إجراءات رسمية لضمان مواصلته للتعليم أو تعويضه عن ما فاته.
وفي هذا السياق، يلفت مراقبون إلى أن قضيته تمثل نموذجًا مؤلمًا لما يمكن أن تؤول إليه المؤسسات عند غياب الرقابة القضائية الفعلية، وغياب مؤسسات حماية الطفل عن أداء دورها الرقابي.
فبدل أن يعامل عبد الرحمن كطفل في طور النمو، خضع لمعاملة أمنية قاسية كأنه مجرم بالغ، وسط تجاهل تام لمبدأ “المصلحة الفضلى للطفل” الذي ينص عليه القانون الأردني والدولي، ولا تزال عائلته تؤكد أن ملف القضية فارغ من الأدلة الحقيقية، ويعتمد فقط على اعترافات انتزعت بالإكراه وتحت التهديد، وهو ما يتطلب إعادة النظر فورًا في مشروعية استمرار توقيفه.
من جانبها، لم تصدر الحكومة الأردنية أو وزارة الداخلية حتى الآن أي بيان توضيحي حول القضية، رغم تصاعد المطالبات بالإفراج الفوري عن عبد الرحمن وفتح تحقيق في ظروف احتجازه.
وتدعو منظمات حقوقية محلية ودولية، إلى تحرك عاجل يضمن وقف الانتهاكات بحق القاصرين ومحاسبة المسؤولين عن تعذيب الأطفال، مشيرين إلى أن استمرار هذه الممارسات يسيء إلى صورة الأردن الدولية، ويقوّض كل ما يُرفع من شعارات حول احترام حقوق الإنسان.
كما تُثير هذه القضية تساؤلات أكبر حول مستقبل منظومة العدالة في الأردن، ومدى التزامها فعليًا بمبادئ سيادة القانون والعدالة الإصلاحية، لا سيما عندما يكون الطرف المعني طفلًا لا حول له ولا قوة.
ويتخوف نشطاء من أن يكون عبد الرحمن واحدًا من بين كثيرين يخفون خلف جدران مراكز الاعتقال، دون أن يسمع أحد صراخهم أو يعرف معاناتهم، في ظل تزايد استخدام أدوات الضغط الأمني في قضايا لا تحتمل القمع أو التغوّل على الحقوق الأساسية.
ماذا ينص القانون الأردني؟
دخل قانون حقوق الطفل الأردني 2022 حيز التنفيذ، ويضمن حقوقًا واضحة لجميع الأطفال تحت 18 عامًا، تشمل الحق في التعليم، والرعاية الصحية، وحمايتهم من الاعتقال العبثي أو المعاملة القاسية.
بموجب العهد الدولي واتفاقية حقوق الطفل (التي صادق عليها الأردن عام 1991)، يجب ألا يحتجز الطفل إلا كملاذ أخير، في بيئة تضمن احترام كرامته وتمنع سوء التعامل
وينص قانون الأحداث الأردني رقم 32 لسنة 2014 على ضرورة معاملة الطفل الجانح معاملة إصلاحية لا عقابية، ويلزم السلطات بتهيئة بيئة ملائمة له تراعي عمره واحتياجاته، وهو ما يبدو غائبًا تمامًا في حالة عبدالرحمن، الذي يحتجز في ظروف أقرب لاحتجاز البالغين، دون محاكمة عادلة أو إشراف قضائي واضح.