العناوينتقارير

خاص وحصري.. مقال جريء عن اضطهاد العشائر في الأردن للكاتبة باسمة الحجايا

الأردن بين الهوية الجامعة والتمييز القبلي.. قراءة في واقع القمع والتهميش

تناول مقال للكاتبة باسمة الحجايا تصريحات وزير الداخلية مازن الفراية حول تعزيز الهوية الأردنية الجامعة وملاحقة كل من يزرع الفرقة عبر الإنترنت، مشيرة إلى الانقسام الواضح في المجتمع تجاه هذه الخطوة.

وأوضحت الحجايا في مقال لـ “صوت الأردن”  أن الواقع السياسي والاجتماعي يكشف تناقضات كبيرة، حيث يتعرض أبناء العشائر أنفسهم للقمع والاضطهاد رغم ارتباطهم بالسلطة، ويُستخدمون أحيانا كواجهات شكلية بينما تُفرض عليهم الولاءات المطلقة مقابل حقوق محدودة.

وفيما يلي نص المقال الخاص لـ “صوت الأردن”:

قبل فترة صرّح وزير الداخلية مازن الفراية بأنه سيلاحق كل من يتجاوز القانون على الانترنت ويبث الفرقة في المجتمع، وأكد بأنه سيعمل على إنفاذ الدستور الذي ينص بأن كل الأردنيين سواء بغض النظر عن أصولهم أو منابتهم. تصريحات الفراية لاقت ترحاباً من فئة من المجتمع الأردني، واستياءً واعتراضاً من فئة أخرى من الأردنيين، رأوا في الهوية الأردنية الجامعة التي يسعى لتحقيقها الفراية تهديدا لهم، فهؤلاء انبنت مكاسبهم على الاستناد على اسم عشيرتهم، وعلى التغني بمواقف أقربائهم في الأجهزة الأمنية، أو في الحكومة، أو في غيرهما من المناصب.

هذا الموقف يعطي انطباعاً زائفاً بأن الأردني ابن العشيرة له أفضلية في الأردن، وبأن التمييز يخضع له فقط الأردنيون من أصول أخرى، وبالأخص من أصول فلسطينية، مستندين في ذلك على رواية تاريخية أو على الوضع الراهن. للوهلة الأولى قد يبدو هذا الوضع حقيقياً ومدعماً بالحقائق، لكن الواقع هذا ليس مكتملاً، فهل شرق الأردنيين حازوا على هذا الامتياز بشكل مكتسب ومطلق، وهل هذا يعطيهم معاملة أفضل في كل الحالات؟

خلال حكم الملك عبدالله الثاني، خُدع الأردنيون بهذه الفكرة التي روجها النظام عبر سياساته التي اختصرها بعبارة “الأردن أولاً”، فانطلقوا في حراك سياسي، بقلوب مخلصة، يحدوهم أمل الإصلاح والتغيير، فشكلوا التجمعات السياسية، واندمجوا في الأحزاب السياسية، ونشطوا في الفضاء العام ينشدون واقعاً مختلفاً يحترمهم، ويحترم هويتهم وكرامتهم، ويجدر القول هنا بأن أبناء العشائر وإن تصدروا هذه المساحات لكنهم كانت مساحات مفتوحة جمعت الأردنيين من شتى الأصول والمنابت تماماً كما من المفترض أن يكون الأردن في سائر مجالاته، ولم تكن صدارة أبناء العشائر إلا بهدف حماية غيرهم لأن الاعتقاد كان بأن للعشيرة الأردنية احتراما، وبأن لكل فرد منها مكانة محفوظة في وجدان الدولة.

لكن سرعان ما تكشفت الأمور على غير المتوقع، فلم يشفع لأي ناشط سياسي معارض عشيرته، لا تاريخها، ولا دورها، ولا تعدادها، ولا كثرة المسؤولين منها، في حراكات تنوعت أسماؤها ومطالبها من الشمال إلى الجنوب وعلى فترات زمنية متباعدة، ولا في الأحزاب السياسية التي يتصدر قائمة أعضائها أبناء العشائر مثل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي حظي بشعبية في القرى والبوادي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وحزب الشراكة الإنقاذ وغيرهما، كلها طالتها يد القمع والظلم والعدوان.

فيكاد لا يوجد في الأردن عشيرة واحدة ليس فيها معتقل سياسي، ولا معارض مقموع، إما ممنوع من السفر، أو ممنوع من الموافقة الأمنية، أم محروم من الوظيفة، أو ماثل أمام القضاء في تهم سياسية فارغة من إطالة اللسان أو الجرائم الإلكترونية أو غيرها.

وهذا القمع والتهميش امتد ليشمل شيوخ ووجهاء العشائر الذين يقدمون مواقف سياسية مباينة لما تقدمه الدولة، ولو تبايناً بسيطاً، لتسعى الدولة بعدها للترويج داخل العشيرة ذاتها لمن تريده، وتهدد وتتوعد من لا يسير وفق الخط المرسوم له. وفي أحسن الأحوال فإنها تبقي شيوخ العشيرة واجهة شكلية أقصى ما يمكنهم فعله هو قيادة جاهات الأفراح، والفصل في قضايا الخلافات العائلية، إذ كيف نبرر أن تكون مشيخة وجهاء العشائر تابعة للديوان الملكي، وهي التي تقرر منح لقب شيخ عشيرة، والعشائر كلها من شمالها لجنوبها سابقة للعائلة المالكة، ولديوانها، وللدولة الأردنية كلها؟! وهي التي قادت الأدوار التاريخية المهمة في قتال المحتل وتثبت الحكم الحالي؟!

وليس هذا فحسب، بل جعلت الدولة من أبناء العشيرة مجرد موظفين في أجهزة الدولة، لا ينطقون إلا بعبارة: “حاضر سيدي” و”أمرك سيدي” من أصغر ضابط لرئيس الوزراء، وكأن التفكير والتخطيط والتدبير هو خارج استطاعتهم، ودون أن يكون لهم رأي في إدارة البلاد بشكل حقيقي وملموس.

لا تحترم الدولة أبناء العشائر إن اختلفوا معها، وإن لم يقدموا فرض الولاء والطاعة الكاملين لها، فهي لا تقدم لهم المناصب والامتيازات إلا بقدر ما يقدموا في المقابل من تغاضٍ عن عيوبها وفسادها، وبقدر ما يعملوا على إسكات بقية أبناء الشعب. فالدولة ليست معنية بعشيرتك بقدر ما تسعى لخلق هوية أردنية تقدم الولاء المطلق والأعمى، تقوم عملية بناء هذه الهوية على الإقصاء والتخويف والتخوين الدائم لكل من يخالفها أو يعارضها أو يسعى حتى لنقاشها، وتكاد الأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى.

ومن يزور الأردن وإن كان لا يعلم عن وضعها السياسي شيئاً فإن بإمكانه أن يرى التهميش بادياً في كل المدن والقرى ذات التركيبة العشائرية، فلنا في معان والطفيلة والكرك، والمفرق وقرى إربد خير مثال، بنسب بطالة عالية، وبنية تحتية متهالكة. فهل يفضل النظام شرق الأردنيين، أم أن عشيرته هي الفساد التي تضم تحتها كل سماسرة الوطن، وبائعي الضمير، وفاقدي الوطنية والأخلاق؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى