“الغارديان”: إسرائيل تدير المجاعة في غزة.. هل تساهم الانزالات الجوية الأردنية في خطة التجويع؟

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير مطوّل للصحفية إيما غراهام-هاريسون، أن إسرائيل تتحمل المسؤولية المباشرة عن المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة، من خلال سيطرتها المحكمة على تدفق الغذاء وتحديدها الصارم لكمية الطعام المسموح بإدخاله، بناءً على حسابات دقيقة تهدف لإبقاء السكان على “قيد الحياة فقط”.
وبحسب التقرير، فإن إسرائيل ظلت على مدى سنوات “تعاير” كميات الغذاء المتجهة إلى القطاع وفقًا لما وصفه مسؤول إسرائيلي عام 2006 بأنه “وضع الفلسطينيين على حمية غذائية دون أن يموتوا جوعًا”. وتشير الوثائق الرسمية الإسرائيلية إلى أن الحد الأدنى الذي حُدد في السابق هو 2279 سعرة حرارية يوميًا للفرد، أي ما يعادل 1.836 كغم من الطعام يوميًا.
لكن اليوم، ومع احتدام الحرب وشلل الزراعة والصيد في غزة، يزداد اعتماد السكان على المساعدات الخارجية، التي لا تلبي حتى الحد الأدنى من الاحتياجات. فبين شهري مارس يونيو، سمحت إسرائيل بدخول نحو 56 ألف طن فقط من المواد الغذائية، أي أقل من ربع ما يحتاجه القطاع، بحسب أرقام رسمية إسرائيلية استشهدت بها الغارديان.
وأكدت اللجنة الدولية لمراجعة المجاعة، وهي هيئة مستقلة تابعة للأمم المتحدة، أن خطط التوزيع الحالية – خاصة من قبل مؤسسة غزة المدعومة من واشنطن وتل أبيب – غير كافية، بل “تؤدي إلى المجاعة حتى في غياب العنف”.
ومع أن الأوضاع كانت قد تحسنت مؤقتًا خلال الهدنة في شهري يناير وفبراير، فإن الإمدادات الغذائية عادت إلى الانخفاض الحاد، لتُعيد القطاع إلى حافة المجاعة. ورغم الضغوط الدولية، بما فيها مطالب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإدخال “كل ذرة طعام ممكنة”، لم تستجب حكومة بنيامين نتنياهو إلا بإعلان عن “زيادات محدودة” في كمية المساعدات.
أما الإنزالات الجوية التي شاركت فيها دول أوروبية وعربية، فقد وصفت بأنها “باهظة التكاليف وعديمة الفاعلية”، حيث لم توفر خلال 21 شهرًا من الحرب سوى طعام يكفي لأربعة أيام فقط، وفقًا لبيانات إسرائيلية.
وفي وقت أكدت فيه منظمات حقوقية إسرائيلية مثل “بتسيلم” أن إسرائيل تمارس سياسة “تجويع منهجية” قد ترقى إلى جريمة إبادة، لا يزال المجتمع الدولي – كما تقول الغارديان – عاجزًا عن تحميل تل أبيب المسؤولية الكاملة عن ما تصفه الصحيفة بأنه “مجاعة مصنوعة بأيدٍ بشرية، ومع سبق الإصرار”.
ومن ناحية أخرى يقدم الأردن مشاركته في إنزال المساعدات الجوية على غزة كإنجاز إنساني، ويعرض تلك العمليات كدليل على التضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا أن التقرير كشف ان كل تلك المساعدات تتم بالتنسيق مع الاحتلال وتحت سقف الموافقة الإسرائيلية، وتقنين المجاعة لا تغير شيئًا من المعادلة، ولا تلبّي حتى الحد الأدنى من حاجات السكان الغذائية. ما يدخل فعليًا إلى القطاع لا يتم إلا بإذن إسرائيلي، وبكميات ضئيلة تم تحديدها مسبقًا وفق “حسابات الجوع” التي كشفتها الغارديان، والتي تهدف لإبقاء الفلسطينيين أحياء دون تمكينهم من الحياة.
في هذا السياق، تتحول جهود الإنزال الجوي، التي شاركت فيها دول أوروبية وعربية، إلى جزء من مشهد علاقات عامة أكثر منها تدخلًا إنسانيًا فعّالًا
وفقًا للبيانات الرسمية التي اعتمدتها الصحيفة البريطانية، تسمح فقط بدخول ما يقل عن ربع احتياجات القطاع، وتتحكم بكل تفصيلة، من عدد السعرات الحرارية للفرد إلى نوع الأغذية المسموح بعبورها. وهكذا، يصبح الحديث عن “الإنجازات” أو “التحركات الأردنية والدولية” غطاءً لتواطؤ غير مباشر مع سياسة تجويع ممنهجة، تُدار بدقة وتُنفّذ على مرأى العالم.