تقارير

تسلسل زمني يروي تفاصيل الانهيار.. كيف حول الاحتلال وصاية الأردن إلى حبر على ورق؟

ارتبط الدور الأردني في القدس منذ بدايات تأسيس الإمارة الهاشمية، حيث لعب الشريف الحسين بن علي وأبناؤه دورا في الدفاع عن المقدسات، واستمر ذلك بعد وحدة الضفتين عام 1950، حين أنيطت بوزارة الأوقاف الأردنية مسؤولية الإشراف على المسجد الأقصى وإدارة شؤونه كاملة من توظيف الموظفين وصيانة المرافق وتنظيم شؤون الصلاة والزوار.

حتى بعد حرب 1967 واحتلال القدس الشرقية، ظل الأردن متمسكًا بحق إدارة الأوقاف، واستمر هذا الدور ليشكل نوعًا من التوازن أمام محاولات إسرائيل تهويد الحرم القدسي.

البدايات (1950–1967)مرحلة ذهبية وسلطة كاملة 

وخلال العقود الأولى بعد الاحتلال الإسرائيلي، كانت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس صاحبة القرار الفعلي داخل المسجد الأقصى: توظّف المئات من الحراس والموظفين، وتدير الصلوات، وتنفذ مشاريع الصيانة والتجديد، بما في ذلك فرش السجاد وصيانة القباب والأروقة وإعادة ترميم قبة الصخرة.

مع احتلال القدس الشرقية عام 1967، حافظت الأوقاف الأردنية على وجودها رغم فقدان السيادة الميدانية، حيث أبقت إسرائيل للأردن دورًا إداريًا محدودًا في الأقصى. لكن الأردن ظلّ المرجعية الرسمية، واستمر بتمويل الكوادر وصيانة المرافق، فيما بقيت قرارات التعيين والتوظيف بيد عمّان.

كما ظل الأردن المرجع الأول للقدس سياسيا ودينيا، وكرست معاهدة وادي عربة عام 1994 هذا الدور في بند خاص نصّ على الاعتراف بالدور الأردني في رعاية المقدسات الإسلامية في القدس.

مرحلة الاعتراف (1994–2015)

مع توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994، اعترف الاحتلال الإسرائيلي بالدور الخاص للأردن في رعاية المقدسات، وفي هذه المرحلة، ظهر الدور الأردني بمظهر أقوى سياسيًا، حيث كان يتم إدخال مواد الصيانة والتمويل للمشاريع الكبيرة نسبيًا، وشهد المسجد بعض الترميمات بدعم مباشر من الملك الراحل الحسين ثم الملك عبد الله الثاني.

من التضييق إلى التهميش.. الوصاية تفقد أنيابها (2015–2020)

مع صعود التيارات اليمينية والدينية داخل الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا منذ العقدين الأخيرين، بدأت دائرة الأوقاف تفقد الكثير من صلاحياتها. فقد فرض الاحتلال الإسرائيلي قيودًا مشددة على تعيين الموظفين والحراس، وأصبحت أي عملية صيانة – مهما كانت بسيطة – تحتاج إلى موافقة أمنية مسبقة.

وبدأ الاحتلال الإسرائيلي يشدد قبضته تدريجيًا، حيث تحوّلت إجراءات الموافقة على أعمال الأوقاف إلى شرط إلزامي. ومنعت تلقي تبرعات أو إدخال مواد دون تنسيق طويل ومعقد. وبدأت الجماعات الاستيطانية تفرض حضورها العلني في ساحات المسجد، بدعم من وزراء في الحكومات الإسرائيلية.

تجلت هذه السياسة في حوادث عديدة، بينها عرقلة إصلاح أنبوب ماء مكسور في أحد مكاتب الأوقاف لمدة شهرين، ما أدى إلى فاتورة ضخمة بلغت 50 ألف شيكل، كان يمكن تفاديها بقطعة لا تتجاوز قيمتها 3 دولارات.

الوصاية اليوم.. إدارة على الورق وصفر على الأرض
وفقًا لمسؤول رفيع في أوقاف القدس تحدث لموقع ميدل إيست آي، فإن الوضع الراهن يختصر بعبارة: “سلطتنا على الأقصى تساوي صفرًا”، فإدخال أبسط المواد، من صابون المراحيض إلى زجاج النوافذ، يحتاج إلى موافقة إسرائيلية. كما يُمنع موظفو الأوقاف من إجراء أي صيانة داخل المجمع دون مخاطر التعرض للاعتقال.

المشهد الأكثر دلالة كان في 2022، عندما تبرع الملك عبد الله الثاني بسجاد جديد يغطي 7 آلاف متر مربع من أموال شخصية بلغت قيمتها 600 ألف دولار. لكن إسرائيل أوقفت الشحنة على الحدود ومنعت دخولها، لتتحول المبادرة إلى رمز آخر على محدودية الوصاية.

مشروع منظم لانتزاع الوصاية
يرى خبراء ودبلوماسيون أن ما يجري ليس مجرد مضايقات إدارية، بل استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لتفريغ الوصاية الأردنية من مضمونها، وفتح الطريق أمام جماعات “جبل الهيكل” لفرض فكرة “السيادة المشتركة”، فإغلاق أبواب الأقصى وفتحها متى شاءت الشرطة الإسرائيلية، ومنع أبسط أعمال الصيانة، وتحويل إدارة الأوقاف إلى هيئة شكلية بلا صلاحيات، كلها خطوات متدرجة نحو السيطرة الكاملة.

من السيادة إلى العجز.. وصاية في مهب الريح
اليوم، يجد الأردن نفسه أمام معادلة شائكة: وصاية تاريخية اعترفت بها المعاهدات والاتفاقيات، لكنها على الأرض باتت محاصرة ومشلولة، ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تقليص دور الأوقاف وفرض الأمر الواقع، تتراجع الوصاية الهاشمية من كونها إدارة فاعلة إلى مجرد عنوان سياسي بلا أدوات تنفيذية، فيما يبقى الأقصى ميدانًا لصراع السيادة والهوية في قلب القدس المحتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى