تقارير

الوصاية الأردنية تلفظ أنفاسها الأخيرة.. الاحتلال يكُرس واقعا جديدا في القدس

في تصعيد جديد وغير مسبوق، سمح وزير الأمن القومي للاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير للمستوطنين بإقامة طقوس استفزازية داخل باحات المسجد الأقصى، شملت الغناء والرقص علنًا، بحماية قوات الاحتلال التي منعت الفلسطينيين من الوصول إلى المكان.

وقالت القناة السابعة العبرية، إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير سمح للمستوطنين بالرقص والغناء بحرية أثناء اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، في تحول جذري عن السياسات السابقة التي كانت تمنع ذلك.

وبالعودة لمطلع الأسبوع الماضي فإن زيارته لم تكن استفزازية كما جرت العادة باقتحامات المسؤولين الإسرائيليين للأقصى، بل تحول إلى مشهد علني من الانتهاك المباشر لقدسية المكان، وتحدٍّ صارخ للوضع التاريخي القائم (الستاتيكو)، الذي يمنع غير المسلمين من أداء طقوس دينية في المسجد.

بن غفير الذي لطالما عبّر عن رغبته بتغيير “قواعد اللعبة” في الأقصى، صرّح من داخل باحات المسجد قائلاً: “القدس لنا، والأقصى لنا، وسنفعل فيه ما نريد. السيادة هنا لإسرائيل، لا للأردن ولا للفلسطينيين”.

وصاية على الورق فقط

وتضع هذه التصريحات الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، والتي يُفترض أنها ضمانة دينية وسياسية لصيانة المسجد الأقصى، أمام اختبار حقيقي.

واكتفت المملكة، التي تتولى الإشراف على الأوقاف الإسلامية في المدينة، حتى اللحظة ببيانات تنديد خجولة، دون اتخاذ أي خطوات عملية لمواجهة التغوّل الإسرائيلي المتصاعد.

وتعود الوصاية إلى عام 1924، عندما بايع أهل المدينة الشريف الحسين بن علي على حماية المسجد الأقصى وسائر المقدسات.

وتكرّست الوصاية رسميا في معاهدة وادي عربة عام 1994، التي أقرت للدولة الأردنية “دورا خاصا” في رعاية الأماكن المقدسة.

لكن منذ سنوات، تتعرض الوصاية لمحاولات منهجية من قبل الاحتلال لانتزاعها أو تحجيمها، عبر سياسة الأمر الواقع على الأرض.

ورغم كل تلك الانتهاكات السابقة واللاحقة، بقي الموقف الرسمي الأردني محصورا ضمن دائرة البيانات والاحتجاجات البروتوكولية، دون اتخاذ خطوات ملموسة تعكس “الرعاية الفعلية” التي يُفترض أن تترجمها الوصاية.

هذا الضعف المتكرر في الرد يعزز شعورا عاما بأن الوصاية باتت مفرغة من مضمونها، ومهددة بأن تتحول إلى مجرد “صفة رمزية” تُرفع دوليا وتُهمش واقعيا.

الوصاية التي لطالما اعتُبرت خط دفاع سياسي وروحي عن القدس، أصبحت اليوم في مهب الريح، بين تطبيع رسمي مع الاحتلال، واستفراد إسرائيلي بالميدان، وتراكم غضب شعبي لا يرى في المواقف الرسمية سوى عجز مزمن عن حماية أولى القبلتين

ويحاول بن غفير، المعروف بتطرفه وعدائه العلني للعرب، عبر هذه الخطوات فرض واقع جديد في الأقصى، يُكرّس فكرة “الحق اليهودي في العبادة” داخل الحرم الشريف.

وهذا يفتح الباب أمام مطالب لاحقة بتقسيم زماني ومكاني للمسجد، على غرار ما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل.

أين الدور الأردني؟

في الوقت الذي تُنتهك فيه حرمة ثالث الحرمين، وتُفرض وقائع استفزازية بقوة السلاح، يكتفي الأردن بإصدار البيانات والتحذيرات التي لم تعد تلقى حتى الحد الأدنى من الردع، لا من بن غفير ولا من حكومة نتنياهو، وفق مصدر مطلع تحدث لـ “صوت الأردن” شريطة عدم ذكر اسمه.

وأضاف، أن ما يجري في الأقصى ليس مجرد تجاوزات فردية، بل مشروع متكامل لفرض واقع جديد، يقوده بن غفير بتصريحات نارية وخطوات استفزازية. والأردن، الوصي التاريخي، يبدو وكأنه يراقب بصمت متردد، يترك الساحة فارغة أمام المتطرفين.

وأكد، أنه إذا لم يتحول الغضب الرسمي الأردني إلى فعل، فإن ما تبقى من الوصاية لن يصمد طويلاً أمام وقائع الاحتلال وطقوسه.

ويقول مراقبون، إن الواقع على الأرض يعكس تراجعا واضحا في التأثير، مقابل تصاعد متسارع لسطوة الاحتلال داخل الحرم.

ومن يتابع المشهد خلال السنوات الأخيرة، يلاحظ أن الاحتلال بات يتصرف وكأنه الجهة السيّدة داخل المسجد الأقصى.

وذكر موظف في الأوقاف بالقدس أن سلطات الاحتلال بدأت تتعامل مع دائرة الأوقاف الأردنية وكأنها جهة أجنبية غير مرغوب بها، تمنع موظفيها من أداء مهامهم، وتفرض قيودا على عمليات الصيانة والإعمار، بل وتعتقل بعضهم دون ردع.

وأضاف الموظف لـ “صوت الأردن”، أن السؤال الذي يتردد الآن في أوساط واسعة داخل الشارع المقدسي والعربي: ما قيمة الوصاية إذا كانت لا تُترجم إلى حماية فعلية على الأرض؟ ما الفائدة من هذه “الورقة السياسية” إذا كان الاحتلال يقتحم، ويقسّم، ويُشرعن وجوده دون أن يجد ردًا يرتقي إلى حجم الخطر؟

وتابع، أن الأردن مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن يُراجع أدواته ومواقفه. الصمت الرسمي، أو الاكتفاء بالاستنكار، لم يعد كافيا أمام ما يجري من تهويد واضح، وتفكيك تدريجي للسيادة الدينية.

وأشار إلى أن الحفاظ على الوصاية لا يكون برفع الصوت في المؤتمرات، بل بالتصدي الميداني والدبلوماسي الجاد لأي محاولة للمساس بالحرم. وإلا، فإن الاحتلال ماضٍ في مخططه، ولن ينتظر أحدًا كي يسمح له بابتلاع القدس بالكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى