الأقصى من الإحراق إلى الهدم.. أين الوصاية الأردنية؟
منذ 3 ساعات
في الذكرى الـ56 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، تتجدد المخاوف على مصير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، إذ يعيش المسجد أخطر مراحله في ظل تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية العلنية وتراجع الوصاية الأردنية إلى حدود “الورق فقط”.
في مثل هذا اليوم من عام 1969 أقدم المتطرف الأسترالي مايكل دنيس روهان على إشعال النار في المصلى القبلي داخل المسجد الأقصى المبارك، في جريمة مدبّرة هزّت العالم الإسلامي، وأتت على منبر صلاح الدين الأيوبي التاريخي ومعالم إسلامية نادرة.
اندلع الحريق بالجناح الشرقي للمصلى، وامتدت ألسنة اللهب لتدمّر محراب زكريا، ومسجد عمر، وثلاثة أروقة تاريخية، وسقط جزء من سقف القبة الداخلية المزخرفة.
كما تحطمت 48 نافذة ملونة واحترقت زخارف وآيات قرآنية نادرة، بينما تعمّد الاحتلال عرقلة عمليات الإطفاء بقطع المياه وتأخير سيارات البلدية، ولولا اندفاع الفلسطينيين وطواقم البلديات العربية من الخليل وبيت لحم، لالتهمت النيران المسجد بأكمله.
56 عاما مرّت على تلك الجريمة، لكن النار ما زالت مشتعلة بأشكال أخرى، فالمسجد الأقصى اليوم يعيش فصولا متجددة من الاستهداف عبر اقتحامات يومية لمئات المستوطنين، يؤدّون خلالها طقوسا تلمودية علنية، وصولا إلى إدخال قرابين حيوانية داخل ساحاته لأول مرة منذ 1967، في محاولة لفرض واقع ديني وسياسي جديد
كما تتواصل الحفريات الإسرائيلية تحت أساسات المسجد التي تضاعف المخاطر، إذ يحذّر خبراء آثار من أنّها قد تؤدي لانهيار أجزاء من الأقصى، فيما لا يُخفي قادة اليمين الإسرائيلي نواياهم العلنية بهدم المسجد وبناء “الهيكل المزعوم”.
وصاية في أنفاسها الأخيرة
ومع تصاعد الانتهاكات يبرز السؤال المعتاد أين الوصاية الهاشمية؟، خصوصا بعد أن وصل الامر بوزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير ليعلن من قلب الحرم: “لاسيادةللأردنولاللفلسطينيين”.
ولطالما روّجت عمان لوصايتها على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهي وصاية كرست في معاهدة وادي عربة عام 1994، بيد أن ما يجري على الأرض يكشف أنها وصاية “ديكور سياسي” بلا أثر فعلي، في وقت يتعرض فيه الأقصى لانتهاكات غير مسبوقة.
ومع كل انتهاك، لا تتجاوز ردود فعل الخارجية الأردنية بيانات إدانة روتينية، فيما يزداد التضييق حتى على دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، وسط صمت رسمي يثير تساؤلات حول جدوى هذه الوصاية.
ويقول الكاتب المقدسي عمار يحيى، إنه مع كل اقتحام جديد للمسجد الأقصى، تعود الأضواء لتتجه نحو الوصاية الهاشميةالتي يفترض أنها صمّام الأمان لحماية المقدسات الإسلامية في القدس، استنادًا إلى اتفاقية “وادي عربة” والتي أقرت باعتراف الاحتلال نفسه بحق الأردن في الإشراف على المسجد الأقصى وسائر المقدسات.
وأضاف أن الواقع يشي بعكس ذلك تماما، إذ تتوالى الاعتداءات والانتهاكات اليومية دون أن يجد المقدسيون من هذه الوصاية سوى بيانات مكتوبة بلغة دبلوماسية باهتة لا ترقى لحجم الخطر.
وتابع، أنه في كل مرة، لا يتجاوز الموقف الأردني حدود التنديد والاستنكار. بيانات الخارجية الأردنية تكاد تكون نسخًا متكررة، تبدأ بالتشديد على أن الأقصى “وقف إسلامي خالص”، وتنتهي بعبارات ترفض “الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة”، غير أن هذا الخطاب الذي تكرر مئات المرات لم يوقف تدنيس الاحتلال لساحات المسجد، ولم يمنع تصاعد وتيرة الاقتحامات، بل منح المتطرفين في الداخل الإسرائيلي مساحة أوسع للتمادي.
وأشار يحيى إلى أن هذا العجز الرسمي فتح شهية قوى اليمين الصهيوني للانقلاب على الوصاية نفسها. فبدل الاكتفاء بالاقتحامات والطقوس التهويدية، ارتفعت الأصوات المطالِبة بإنهاء أي وصاية عربية على المسجد، وفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة عليه.
اليوم، وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على جريمة إحراق المسجد، يقف الأقصى أمام خطر أشدّ: خطر الذوبان التدريجي لهويته الإسلامية، في ظل وصاية تكتفي بالشجب، وحكومة إسرائيلية تمضي بلا هوادة في مشروعها لانتزاع السيادة الكاملة على أولى القبلتين وثالث الحرمين.
أمام هذا الواقع، تتآكل الوصاية الهاشمية وتفقد معناها، فيما تتزايد وتيرة الانتهاكات غير المسبوقة. وبينما تتحول القدس إلى ساحة مفتوحة لطقوس الاحتلال، تظل مواقف الأردن محصورة في بيانات شجب لا توقف الحفريات ولا الاقتحامات، ما يجعل الوصاية في نظر المقدسيين مجرد شعار بلا أثر.
دعوات المقاومة
في هذه الذكرى، دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى تحرك عربي وإسلامي جاد لحماية القدس والأقصى والتصدي لمخططات حكومة نتنياهو.
وأكدت الحركة أن لا سيادة ولا شرعية للاحتلال على أي شبر من الأقصى، وأن جرائم الإحراق والاقتحامات لن تنجح في طمس الهوية الإسلامية للمسجد، مشددة على أن القدس والأقصى سيبقيان عنوان الصراع وبوصلة وحدة الأمة.
كما دعت جماهير الشعب الفلسطيني في القدس والداخل والضفة إلى شد الرحال والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى للتصدي لمحاولات المتطرفين اقتحامه وتدنيسه.
الحريق لم يخمد
من جانبها أكدت دائرة الأوقاف الإسلامية أن مستوطنين نفذوا جولة جديدة داخل المسجد في ذكرى إحراقه، بينما حذر خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري من أن الهدف من هذه الاقتحامات هو سحب سلطة الأوقاف وفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
وأشار صبري إلى تصعيد خطير في وتيرة الاقتحامات ونوعية المشاركين فيها، بينهم وزراء في الحكومة.
من جانبها، رأت هيئة علماء فلسطين أن الحريق الذي شبّ في المسجد قبل 56 عامًا لا يزال مشتعلاً، بل امتد ليطال الضفة وغزة في “محرقة بشرية هي الأكبر في التاريخ الحديث”.
وأكدت أن الأقصى بكل ساحاته ومعالمه وقف إسلامي خالص لا حق فيه لغير المسلمين، وأن الاعتداء عليه جريمة حرب لن تسقط بالتقادم.
بدورها، حذّرت مؤسسة القدس الدولية من أن الأقصى يعيش أخطر فتراته تحت غطاء حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو. وفي مؤتمرها السنوي في بيروت لإطلاق تقرير “عين على الأقصى”، وثّقت المؤسسة الانتهاكات التي طالت المسجد في الأشهر الأولى من عام 2025.
وأظهر التقرير أن الاحتلال يسير بخطين متوازيين: حرب إبادة في غزة، وحرب تهويد للأقصى، بهدف حسم الصراع وفرض وقائع نهائية على الأرض.
وكشف أن أعداد المقتحمين للمسجد بلغت نحو 38,875 مقتحمًا خلال سبعة أشهر فقط، بزيادة 36% عن العام الماضي، مع إدخال أدوات طقوس يهودية وتقديم قرابين حيوانية، في مشهد وصفه خبراء بـ”الأخطر منذ احتلال القدس”.
وحذر التقرير من أن الأقصى لم يعد مكانا مقدسا خالصا للمسلمين، بل تحول تدريجيًا إلى موقع مشترك، مع ترجيح كفة “هوية يهودية مصطنعة” على حساب الهوية الإسلامية الأصيلة.