استهتار بالإرادة الشعبية وتجاوز للدستور.. انتقادات واسعة لقرار حل المجالس البلدية

في خطوة أثارت جدلا واسعا في الساحة السياسية والإدارية الأردنية، أصدرت الحكومة قرارا بحل المجالس البلدية ومجالس المحافظات ومجلس أمانة عمان الكبرى قبل انتهاء ولاياتها القانونية، ما دفع نواب ومسؤولين محليين إلى توجيه انتقادات حادة واتهام القرار بالتجاوز على الدستور واستهداف الديمقراطية.
رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي النيابية، النائب صالح العرموطي، وصف القرار بأنه “تغوّل خطير على إرادة الأمة وتعطيل للديمقراطية”، مشيرًا إلى أن الخطوة تمثل “ردة عن الإصلاح” وتتناقض مع الدستور الأردني الذي ينص صراحةً على أن الأمة مصدر السلطات.
وتساءل العرموطي في تصريحات له عن أسباب اتخاذ هذا القرار في غياب قانون بديل، لا سيما مع غياب مجلس النواب الذي يُفترض أن يناقش ويقر مثل هذه التعديلات.
وأضاف: “كيف تدّعي الحكومة الإصلاح ثم تقوم بحل المجالس المنتخبة دفعة واحدة، رغم عدم وجود قانون جاهز حتى الآن؟”، محذرًا من تداعيات القرار التي قد تفتح الباب أمام فراغ سياسي خطير، خاصة إذا ما تزامن مع احتمالية حل مجلس النواب.
وأبدى العرموطي قلقه من تعيين لجان مؤقتة تضم موظفين حكوميين لإدارة البلديات، معتبرًا ذلك “مخالفة صريحة للدستور”، لأن البلديات تُدار وفق قوانين خاصة تُؤكد استقلاليتها كمؤسسات أهلية لا يجوز للحكومة التدخل في عملها بشكل مباشر.
وأوضح أن هذه اللجان لن تكون قادرة على تلبية احتياجات المواطنين أو رسم سياسات تنموية فعالة، محذرا من أن ذلك سيؤدي إلى تراجع الخدمات وتأزيم الوضع المحلي.
من جهته، أعرب رئيس بلدية إربد الكبرى، نبيل الكوفحي، عن استغرابه وصدمته من القرار، موكدا أنه جاء دون مبررات قانونية أو أسباب واضحة، في وقت كانت فيه المجالس في أوج عطائها، وبدأت تنفذ مشاريع استراتيجية.
وقال الكوفحي في رسالة للرأي العام: “تفاجأنا بقرار الحل… في وقت كانت فيه المجالس في ذروة العطاء والتنفيذ”، مشيرًا إلى أن ولايته شهدت إطلاق رؤى تنفيذية طموحة لرصد ميزانيات بملايين الدنانير، وبدأت تنفيذ عدد منها، رغم الظروف المالية الصعبة والقيود الرسمية، خاصة بعد أزمة جائحة كورونا.
وأكد الكوفحي أن إدارته عملت على بناء مؤسسة تحترم سيادة القانون وتُكرّس الشفافية والحوكمة الرشيدة، مع تقليل النفقات لصالح تحسين البنية التحتية والخدمات العامة، لكنه لم يغفل ذكر بعض الأخطاء التي رآها ناجمة عن ضعف الصلاحيات وعدم كفاية الدعم.
ووجه رسالة تطمين بالقول: “سنستمر في العمل من أجل الوطن والمواطنين، ونرى في المسؤولية العامة شرفًا لا سلطة أو مغنمًا”.
بدوره انتقد النائب المحامي عوني الزعبي قرار الحل واعتبره “استهتارًا بالإرادة الشعبية”، مشيرًا إلى أن الحكومة اتخذت القرار بلا مبرر أو مسوغ قانوني، سوى نزعة فردية من وزير الإدارة المحلية الذي “يتصرف وكأن البلاد تُدار بإرادته الشخصية لا وفق أحكام القانون والدستور”.
وأكد الزعبي في منشور عبر فيسبوك أن ما جرى يمثل تراجعًا خطيرا عن مبادئ دولة المؤسسات، حيث يتم “إقصاء المجالس المنتخبة التي جاءت عبر صناديق الاقتراع لصالح لجان بلا شرعية ولا تمثل الناس، وجاءت في أغلبها بناءً على معارف شخصية”.
يذكر أن قانون الإدارة المحلية الحالي يمنح الوزير صلاحية حل المجالس في حالات معينة، منها ارتكاب المخالفات أو الإضرار بالمصلحة العامة، لكن منتقدي القرار يرون أن الحكومة لم تقدم أي دليل أو مسوغات واضحة تبرر اتخاذ هذه الخطوة الجماعية، ما يجعل القرار عرضة للطعن ويثير مخاوف من تأثيره السلبي على الإدارة المحلية والخدمات المقدمة للمواطنين.
ويأتي هذا القرار وسط حالة من الغموض السياسي في البلاد، حيث لا يزال مجلس النواب غير منعقد، ما يثير مخاوف من فراغ سياسي محتمل وتراجع الثقة في المؤسسات، بالإضافة إلى تأثير ذلك على المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، حيث يخشى المراقبون من أن تُصبح الانتخابات مجرد إجراءات شكلية تفتقر للشرعية الشعبية الحقيقية.
ويتخوف كثيرون من أن القرار قد يُضعف مسيرة الإصلاح الإداري، ويزيد من هشاشة التمثيل الشعبي على المستوى المحلي، ما يحتم على الحكومة إعادة النظر في هذه الخطوة، والحرص على تعزيز الشفافية والتشاركية مع الجهات التشريعية والمجتمع المدني، للحفاظ على استقرار البلاد وتعزيز الثقة بالمؤسسات الديمقراطية.