تقارير

أزمة السرطان تتفاقم رغم بطاقة التأمين الإلكترونية.. هل تكفي لمواجهة المرض وتكاليفه؟

في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن إطلاق خدمة إصدار بطاقات التأمين الحكومي لمرضى السرطان عبر تطبيق “سند”، بدا واضحاً أن هذه الخطوة، رغم أهميتها التنظيمية، لا تقترب حتى الآن من عمق الأزمة الصحية المتفاقمة في البلاد.

وأكد الوزير مهند شحادة أن “كل أردني مؤمّن ضد السرطان” وأن العلاج متاح في المستشفيات الحكومية ومركز الحسين والمستشفيات العسكرية، مشيراً إلى أن إصدار البطاقات عبر “سند” يهدف إلى تخفيف العبء عن المواطنين واستبدال رحلة “البحث عن واسطة” بخدمة إلكترونية تصلهم بكبسة زر، على أن يبدأ تفعيل التأمين الجديد اعتباراً من كانون الثاني 2026.

لكن خلف هذا الإعلان التفاؤلي، تتراكم أرقام صادمة ترسم صورة مقلقة لواقع السرطان في الأردن، فبعيداً عن التطبيقات والمنصات، تشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع متسارع في معدل الإصابة منذ عام 2015 بنسبة تجاوزت 40%، مع تسجيل 10,775 إصابة جديدة وفق السجل الوطني لعام 2022، أي بمعدل 1.3 حالة كل ساعة.

ولا ترتبط الزيادة فقط بتطور أنظمة الكشف، بل بانفلات عوامل الخطر وفي مقدمتها التدخين والسمنة، وفق ما يؤكده مدير الأمراض غير السارية في وزارة الصحة الدكتور أنس المحتسب.

الأرقام تكشف أيضاً انعكاساً خطيراً للتغيرات الاجتماعية: نسبة النساء المدخنات قفزت من 7% قبل عقدين إلى 29% في عام 2024، فيما وصلت نسبة المدخنين بين الرجال إلى 71%، وبموازاة ذلك، يعاني 60% من الأردنيين من زيادة الوزن أو السمنة، وترتفع النسبة بين النساء في منتصف الأربعينات إلى 95%—وهو مؤشر يفسّر الارتفاع الملحوظ في سرطانات الثدي والقولون والرئة.

وعلى الجانب المالي، تبدو الصورة أكثر قتامة، حيث أكد وزير الصحة الدكتور فراس الهواري في وقت سابق أن كلفة علاج السرطان سنوياً لا تقل عن 350 مليون دينار، متوقعاً أن تتجاوز 500 مليون دينار بحلول عام 2030 إذا استمرت نسب الإصابة بالارتفاع. هذا العبء المالي يثقل الموازنة العامة، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة العلاجات الجديدة ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2004، وخاصة لسرطان الرئة، الذي يُعدّ الأكثر ارتباطاً بالتدخين.

رغم هذه التحديات، تكتفي الحكومة بسلسلة إجراءات متفرقة: تشديد الرقابة على بيع منتجات التبغ، إطلاق عيادات لعلاج الإدمان على التدخين، عمليات إغلاق محدودة للمحال القريبة من المدارس، واستراتيجية ما زالت في طور الإعداد للسيطرة على السرطان، لكن تلك السياسات تبدو أقل بكثير من حجم الأزمة، إذ تشير التقارير الرسمية نفسها إلى أن الأردن يتصدر العالم في معدل استهلاك الفرد للسجائر.

وإذا كان إطلاق خدمة التأمين عبر “سند” يعد خطوة نحو التنظيم، فإن الأسئلة الكبرى تبقى بلا إجابة واضحة: هل يستطيع النظام الصحي تحمّل الزيادة المتوقعة في الإصابات خلال السنوات المقبلة؟ هل يكفي التأمين الورقي أو الإلكتروني أمام أزمة تمتد لعقود؟ وما جدوى الإدارات الصحية إذا كانت 40% من السرطانات مرتبطة بسلوك فردي لم تنجح الدولة في الحد منه؟

المفارقة أن الحكومة تطلق منصة إلكترونية لتسهيل حصول المريض على بطاقة العلاج، بينما ما يزال آلاف المصابين يخوضون معارك طويلة للحصول على مواعيد وأدوية وكشف مبكر في نظام صحي مثقل بديون وكلف عالية. وبينما تتزايد الأرقام، تتراجع منظومة الوقاية، ويظل العبء واقعاً على المرضى وأسرهم.

في النهاية، بطاقة “سند” خطوة قد تختصر الطريق على المواطن، لكنها لا تختصر طريق المرض. فالأردن اليوم أمام تحدٍّ صحي غير مسبوق، ولا يكفي التعامل معه بإجراءات تجميلية أو خدمات تقنية، بل يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وإصلاح جذري يضع الوقاية والكشف المبكر على رأس الأولويات قبل أن تبلغ الأزمة مرحلة يصعب معها العلاج… مهما كان التأمين متاحاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى