تقارير

أرقام وزير الثقافة تنهار أمام الواقع.. هل زار مهرجان جرش نصف مليون شخص؟

في مفارقة تطرح أكثر من علامة استفهام، أعلن وزير الثقافة الأردني مصطفى الرواشدة، عبر تغريدة نشرها على حسابه الرسمي، أن نحو نصف مليون شخص زاروا مهرجان جرش للثقافة والفنون في دورته الـ39، ورغم أن هذا الرقم لقي ترويجا واسعا، إلا أنه لم يرد مطلقا في البيان الختامي الصادر عن إدارة المهرجان، ما أثار تساؤلات حقيقية حول مدى دقته، ومدى واقعية الأرقام التي تصدر عن الجهات الحكومية.

وبينما اكتفى بيان إدارة المهرجان بالإشارة إلى أن هذه الدورة شهدت “حضورًا كبيرًا” و”فوق التوقعات”، دون تقديم أي إحصائية عددية واضحة، جاء تصريح الوزير ليطرح رقماً صعب التصديق، خاصة عند النظر إلى الطاقة الاستيعابية المحدودة للمسارح التي استُخدمت في الفعاليات.

 

ففي مدينة جرش، يعد المسرح الجنوبي هو الأكبر من بين المسارح الثلاثة الرئيسة، وتتراوح قدرته بين 3000 و5000 مقعد فقط، حتى مع الافتراض أن هذا المسرح امتلأ بالكامل طيلة أيام المهرجان العشرة، فإن العدد الإجمالي للحضور لن يتجاوز 50 ألف شخص.

وبإضافة المسرحين الشمالي والروماني، وأخذ أقصى الاحتمالات المتفائلة، فإن العدد النهائي بالكاد قد يصل إلى 90 ألف زائر، إذا ما امتلأت المدرجات يوميا بالكامل، وهو أمر لم يحدث، بحسب مشاهدات ميدانية وتقارير إعلامية مستقلة.

 

هذه المفارقة بين ما هو ممكن فعليًا، وبين ما يعلن رسميا، تثير الشكوك حول دقة التصريحات الحكومية، خاصة أن المهرجان لم يصدر عنه أي بيان رسمي يؤيد رقم “النصف مليون”، لا من إدارة المهرجان ولا من الجهات التنظيمية الأخرى، ويزيد من عمق الشك أن الرقم لم تسبقه أي حملات ترويجية توضح حجم التذاكر المباعة أو أعداد الزوار في الأيام المتتالية.

الأغرب من ذلك، أن هذه الأرقام “المتفائلة” تأتي في وقت تعاني فيه السياحة المحلية من ركود واضح، بدليل أن 32 فندقًا أغلقت أبوابها في البترا خلال نفس أسبوع انعقاد مهرجان جرش، ما تسبب في فقدان أكثر من 700 موظف لوظائفهم.

وبالنظر إلى أرقام الوزير إذا كانت الحركة السياحية في البلاد قد وصلت لهذا الحد من التراجع، فكيف يمكن القبول بأن نصف مليون شخص قد زاروا جرش دون أن ينعكس ذلك على القطاعات السياحية المحيطة، أو حتى على نسب الإشغال الفندقي في باقي المحافظات؟

 

وتعزز تلك الأسئلة والشكوك الانطباع بأن الرقم المعلن أقرب إلى “الاستعراض الإعلامي”، وليس إلى التقييم الواقعي المدعوم بالأرقام، خصوصًا في ظل غياب أي جهة مستقلة تؤكد أو ترصد هذه الإحصاءات.

في النهاية، لا يبدو الرقم الذي أعلن عنه وزير الثقافة قائمًا على معايير قياس واضحة أو على بيانات قابلة للتحقق، بل جاء في سياق دعاية تحاول التغطية على تراجع الحضور الفعلي، وربما أيضًا على محدودية تأثير المهرجان خارج نطاقه الاحتفالي.

تأتي تصريحات وأرقام وزير الثقافة ومحاولات الحكومة الترويج للمهرجان كنجاح ثقافي وسياحي، إلا أن دورته الـ39 لم تمر من دون غضب شعبي واسع، فقد واجه مهرجان جرش انتقادات حادة واعتراضات على نطاق واسع داخل الأردن، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن تنظيمه في هذا التوقيت يُظهر انفصالًا رسميًا عن مشاعر الشارع الأردني.

ففي ظل المجازر اليومية التي ترتكب في غزة، وتفاقم معاناة أهل القطاع بفعل الحصار والتجويع وحرب الإبادة المتواصلة منذ شهور، رأى أردنيون أن إقامة مهرجانات فنية واحتفالية تمثل استفزازًا للضمير العام، وتجاهلًا لآلام الشعب الفلسطيني الذي يشكل قضيته محورًا وجدانيًا وثقافيًا في وجدان الأردنيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى