
في واقعة جديدة تضع الإعلام الأردني الرسمي في مرمى الاتهامات، اضطرت قناة “المملكة” لحذف تقرير بثته مؤخرًا، زعمت فيه أن الأردني محمد الجراروه قد عُيّن مديرا للاستخبارات الأسترالية، بعد أن كشف موقع “صوت الأردن” زيف القصة وفضح فبركتها.
ولم تعتذر القناة الرسمية لمشاهديها ولم تعترف بالخطأ بل حذفت الخبر بعد ساعات من نشر “صوت الأردن” تقريرا يفند الخبر المتداول في الإعلام الرسمي.
🛑فصيحة تهز الإعلام الأردني…#صوت_الأردن pic.twitter.com/vC6EEkInUK
— صوت الأردن الإخباري (@Jordanvoice2025) July 19, 2025
الخبر انتشر كالنار في الهشيم، وتناقلته عشرات المنصات والمواقع الأردنية الرسمية والخاصة، بدون تحقق أو مراجعة، في مشهد يعكس غياب المعايير المهنية واستسهال صناعة الأخبار الملفقة، وكأن الإعلام دخل سباقا محمومًا على التضليل لا على الحقيقة.
لكن الواقع كان أبسط من كل هذه الهالة: لا توجد أي وسيلة إعلام أسترالية أو دولية نشرت الخبر، ولا يظهر اسم الجراروه ضمن أي قوائم رسمية لرؤساء الاستخبارات الأسترالية، وهي قوائم منشورة علنا في المواقع الحكومية الأسترالية. بل إن أدوات الذكاء الاصطناعي صنّفت الخبر ضمن الأخبار “المفبركة التي تُستخدم لأغراض وطنية استعراضية”.
إعادة إنتاج للمهزلة المصرية
ما حدث أعاد إلى الأذهان مباشرةً “فضيحة جهاز الكفتة” في مصر عام 2014، حين خرج متحدث باسم الجيش المصري، ليعلن في مؤتمر صحفي أمام العالم أن مصر اخترعت جهازًا يعالج فيروس الإيدز والتهاب الكبد الوبائي “C”، باستخدام تكنولوجيا “تحوّل الفيروس إلى صباع كفتة”!
ورغم الغرابة، وقفت وسائل الإعلام المصرية آنذاك موقف المؤيد والمدافع، وروّجت للحكاية بكل ثقة، دون تجرؤ أي وسيلة على الطعن في مصداقيتها. تحوّلت القصة إلى مادة تندر عالمية، وفقد الإعلام المصري حينها آخر ما تبقّى من سمعته.
اليوم، يبدو أن الإعلام الأردني يسير في ذات الطريق، حين يحاول “صناعة أمجاد وطنية” زائفة، تُوهم الناس بأن الأردن يصدّر القادة إلى الاستخبارات العالمية، بينما يتجاهل واقعًا يعج بالأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
إعلام الإفلاس والتنويم
يقول الكاتب الصحفي عماد الصالح، إن ما حدث ليس مجرد خطأ فردي أو زلة تحريريّة، بل يعكس ذهنية ممنهجة، تجعل من التضليل أداة لصرف أنظار الشارع الأردني عن قضاياه الحقيقية، ولتسكين الأزمات المتراكمة عبر اختراع بطولات لا أساس لها. وهذا النمط، الذي بدا “سيساويًّا” بامتياز، لم يعد مقبولًا أمام جمهور صار أكثر وعيًا وتشككًا في كل ما يُعرض عليه.
الأسئلة الأصعب
وأضاف في حديث لـ “صوت الأردن”، أن الفضيحة الأخيرة تطرح تساؤلات خطيرة، من حوّل الإعلام الأردني إلى بوق دعائي فاقد للثقة؟، ولماذا تتكرر في الأردن سيناريوهات الإعلام المصري الذي دُفن تحت أنقاض أكاذيبه؟
وهل ما زال هناك وقت لإصلاح المشهد الإعلامي قبل أن يفقد مصداقيته بالكامل أمام شعبه والعالم؟
وتالع، في ظل هذه التحديات، لا يبدو أن حذف الخبر كاف، ولا أن الصمت سيُنسي الناس ما جرى. فالمصداقية التي تفقدها وسائل الإعلام اليوم، لا تُستعاد بسهولة غدا.
كما أشار إلى أن هذه الفضيحة تضع جميع ما يتبناه الإعلام الأردني فاقد للمصداقية وربما قريبا سيصبح نموذجا لفقدان المهنية كما حدث مع إعلام السيسي.